للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وواضح أن هذه المقاصد التبعية -إلى جانب ما فيها من تمتيع وتنعيم للمكلفين، وهو ما يعبر عنه بالحظ- تعتبر "خادمة للمقاصد الأصلية ومكملة لها".

كما أن المقاصد الأصلية -وإن كانت في الأصل مفروضة على المكلف دون اعتبار لقبوله أو رفضه- فهي تفضي إلى نتائج فيها حظوظ ومنافع له. وقد قال بعد بيان تداخل وتكامل المقاصد الأصلية مع المقاصد التبعية "فقد تحصل من هذا أن ما ليس فيه للمكلف حظ بالقصد الأول، يحصل له فيه حظه بالقصد الثاني من الشارع. وما فيه للمكلف حظ بالقصد الأول يحصل فيه العمل المبرأ من الحظ".

ومن أمثلة ذلك أن المكلف حين يعمل على حفظ نفسه ونسله "وهما من المقاصد الأصلية التي لم يراع في حفظها حظه"، يجني في نفس الوقت متعًا وحظوظًا تعتبر من قبيل المقاصد التبعية. بل حتى العبادات -وهي أبعد التكاليف عن مراعاة الحظوظ- فإنها تحقق-إلى جانب المقصد الأصلي منها- فوائد تبعية من قبيل الحظوظ، كاحترام الناس وثقتهم.

وفي الجانب الآخر، فإن جميع الحظوظ والنعم والمتع التي أذن فيه االشارع، داخلة في حفظ الضروريات، أي المقاصد الأصلية: "فأكل المستلذات، ولباس اللينات، وركوب الفارهات، ونكاح الجميلات، قد تضمن سد الخلات، والقيام بضرورة الحياة. وقد مر إن إقامة الحياة -من حيث هو ضروري- لا حظ فيه".

ورغم هذا، أي زعم أن عمل المكلفين بمقتضى المقاصد الأصلية يجلب لهم ويحقق المقاصد التبعية، وعملهم بمقتضى المقاصد التبعية يخدم المقاصد الأصلية، فإن الأفضل أن العمل بمقتضى المقاصد الأصلية، ولأجلها. ووجوه هذا التفضيل كثيرة١، ويمكن تلخيصها فيما يلي:

١- لأنه أكثر انسجامًا مع ما سبق تقريره في أول هذا النوع من أن قصد الشارع بالتشريع: إخراج المكلف عن داعية هواه.


١ انظر تفصيلاتها وأدلتها في المسألة الخامسة والفصول المبنية عليها. وأما خلاصتها المعروضة هنا فهي من خلال عبارات الشاطبي نفسها، وليس فيها إلا تصرف طفيف مني.

<<  <   >  >>