للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هممت بهذا العمل وجدت أن فيه إخلالًا لا يحتمل، ذلك أن ما أردت تلخيصه يحتاج إلى مزيد من الشروح والتوضيحات، لا إلى حذف وتلخيص، فانظر المسألة الخامسة برمتها.

وقد ختم هذا القسم بالتطرق إلى موضوع الحيل، أو التحايل على الأحكام الشرعية، حيث يقصد به -عادة- إسقاط الأحكام الشرعية، أو قلبها من حكم إلى حكم، أو التهرب من آثارها.

هذا الموضوع تناوله في المسائل الثلاث الأخيرة. فمهد له في المسألة العاشرة بتعريف التحيل. وقرر في الحادية عشرة أن "الحيل في الدين بالمعنى المذكور غير مشروعة في الجملة١ ثم أورد آيات وأحاديث كثيرة، يستفاد من مضمونها العام إبطال الحيل والنهي عنها، ثم قال "وعليه عامة الأمة من الصحابة والتابعين".

وأما المسألة الثانية فهي جوهر الموضوع، حيث تضمنت ربط الحيل وحكمها بمقاصد الشارع، ذلك "أن الأعمال الشرعية ليست مقصودة لأنفسها، وإنما قصد بها أمور أخر، هي معانيها، وهي المصالح التي شرعت لأجلها. فالذي عمل من ذلك على غير هذا الوضع٢، فليس على وضع المشروعات.

"وعلى هذا نقول في الزكاة -مثلًا-: أن المقصود بمشروعيتها رفع رذيلة الشح، ومصلحة إرفاق المساكين، وإحياء النفوس المعرضة للتلف. فمن وهب في آخر الحول ماله هروبًا من وجوب الزكاة عليه، ثم إذا كان في حول آخر أو قبل ذلك استوهبه، فهذا العمل تقوية لوصف الشح وإمداد له، ورفع لمصلحة إرفاق المساكين. فمعلوم أن صورة هذه الهبة، وليست هي الهبة التي ندب الشرع إليها، ولأن الهبة إرفاق وإحسان للموهوب له، وتوسيع عليه، غنيا كان أو فقيرًا، وجلب لمودته ومآلفته. وهذه الهبة على الضد من ذلك. ولو كانت على المشروع من التمليك الحقيقي لكان ذلك موافقًا لمصلحة الإرفاق والتوسعة، ورفعًا لرذيلة الشح، فلم يكن هروبًا عن أداء الزكاة. فتأمل كيف كان القصد المشروع في العمل لا يهدم قصدًا شرعيا، والقصد غير الشرعي هادم للقصد الشرعي".


١ قوله "في الجملة" يشير إلى بعض الحالات التي يسوغ فيها التحايل حيث لا يناقض ذلك أصلًا أو مقصدا شرعيا. وقد تطرق إليها في "فصل" ملحق المسألة.
٢ حيث تحايل على الحكم الشرعي، فحافظ على ظاهره، ولم يحافظ على جوهره ومقصوده. بل سعى به لغاية أخرى.

<<  <   >  >>