وتحسينيات، للقول بأن الأوامر والنواهي الشرعية، ليست ذات درجة واحدة، وليست في الأهمية سواء:"فإن الأوامر المتعلقة بالأمور الضرورية ليست كالأوامر المتعلقة بالأمور الحاجية، ولا التحسينية، ولا الأمور المكملة للضروريات كالضروريات أنفسها، بل بينهما تفاوت معلوم، بل الأمور الضرورية ليست في الطلب على وزان واحد١ ومثل لهذا بما هو معلوم من تقديم الدين على النفس، وتقديم النفس على العقل.
ونتيجة هذا، أن على المكلف في نفسه، وعلى المجتهد في اجتهاده، أن يراعي هذا الترتيب، وهذا التفاوت، في فهم الأوامر والنواهي الشرعية، قصد إنزال كل شيء منزلته، وتقديم ما حقه التقديم وتأخير ما حقه التأخير، وإعطاء الأولوية لما يستحقها. وأما إذا أهملنا هذا النظر -وقد اعتبره الشارع- فإننا سنقع في أغلاط جسيمة وحرج كثير، فضلا عن مخالفة هدي الشارع بإهمال مفاضلته وترتيبه فليست الأوامر الشرعية بنفس الدرجة وتعطي نفس الحكم، وكذلك الشأن في النواهي. وحتى بالنسبة للأوامر التي تفيد الوجوب، والنواهي التي تفيد التحريم، ليست على درجة واحدة. فالواجبات الشرعية درجات، والمحرمات كذلك.
وقد استصحب الشاطبي هذه الفكرة وهو يعالج موضوع البدع في كتابه الاعتصام، حيث قال: "إن المعاصي منها صغائر ومنها كبائر. ويعرف ذلك بكونها واقعة في الضروريات أو الحاجيات أو التكميليات. فإذا كانت في الضروريات فهي أعظم الكبائر، وإن وقعت في التحسينيات فهي أدنى رتبة بلا إشكال. وإن وقعت في الحاجيات فمتوسطة بين الرتبتين.
ثم إن كل رتبة من هذه الرتب لها مكمل، ولا يمكن في المكمل أن يكون في رتبة المكمل. فإن المكمل مع المكمل في نسبة الوسيلة مع القصد. ولا تبلغ الوسيلة رتبة المقصد، فقد ظهر تفاوت رتب المعاصي والمخالفات.
١ الموافقات: ٣/ ٢٠٩، وانظر أيضًا في نفس المعنى ص١٥٣ و٢٥٥.