للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأيضًا، فإن الضروريات إذا تؤملت وجدت على مراتب في التأكيد وعدمه. فليست مرتبة كمرتبة الدين. أو ليس تستصغر حرمة النفس في جنب حرمة الدين، قبيح الكفر الدم؟ والمحافظة على الدين، مبيحة لتعريض النفس للقتل والإتلاف في الأمر بمجاهدة الكفار والمارقين عن الدين.

ومرتبة العقل والمال ليست كمرتبة النفس"١.

ثم ينتقل من هذا التمهيد "المقاصدي"، إلى موضوعه الأصلي -وهو البدع- ليطبق عليه ما تقرره مقاصد الشريعة فيقول: "وإذا كان كذلك، فالبدع من جملة المعاصي، وقد ثبت التفاوت في المعاصي، فكذلك يتصور مثله في البدع. فمنها ما يقع في الضروريات "أي أنه إخلال بها" ومنها ما يقع في رتبة الحاجيات، ومنها ما يقع في رتبة التحسينيات. وما يقع في رتبة الضروريات: منه ما يقع في الدين أو النفس أو النسل، أو العقل، أو المال"٢.

وبناء على هذا التفاوت في المصالح والمفاسد، وفي الأوامر والنواهي الشرعية -تبعًا لذلك- يقرر أن: "الفعل يعتبر شرعًا بما يكون عنه٣ من المصالح أو المفاسد. وقد بين الشرع ذلك، وميز بين ما يعظم من الأفعال مصلحته فجعله ركنا، أو مفسدته فجعله كبيرة. وبين ما ليس كذلك سماه في المصالح إحسانًا، وفي المفاسد صغيرة.

وبهذه الطريقة يتميز ما هو من أركان الدين وأصوله، وما هو من فروعه وفصوله، ويعرف ما هو من الذنوب كبائر، وما هو منها صغائر، فما عظمه الشرع في المأمورات فهو من أصول الدين، وما جعله دون ذلك، فمن فروعه وتكميلاته. وما عظم أمره في المنهيات، فهو من الكبائر، وما كان دون ذلك، فهو من الصغائر، وذلك على مقدار المصلحة أو المفسدة"٤.


١ الاعتصام: ٢/ ٣٨.
٢ الاعتصام: ٢/ ٣٩.
٣ أي: يقيم الفعل بما يترتب عنه.
٤ الموافقات: ١/ ٢١٣ وانظر أيضًا: ٢/ ٢٩٩، فقد حاول هناك إعطاء ضبط أكثر دقة للفرق بين الضروريات والحاجيات، من الأوامر والنواهي.

<<  <   >  >>