للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مطلوب الفعل أو مطلوب الترك، فقد ألحق بأحد الأحكام الأربعة الأخرى، ولم يبق مباحًا.

والشاطبي بتقريره هذا يرد على رأيين، هما:

١- الرأي القائل بأن المباح مطلوب الترك، وأن تركه أولى من فعله، وأن على المكلف أن يتقلل منه ما أمكن.

٢- الرأي القائل بأن المباح مطلوب الفعل، وأنه مطلوب طلب وجوب. لأن كل مباح، ما فعله ترك محرم. وترك المحرم واجب. ففعل المباح واجب، لما فيه من ترك المحرم.

وهذا الرأي الأخير، هو رأي أبي القاسم الكعبي من المعتزلة. وهو رأي مردود عليه منذ القديم، ولهذا لم يحفل به الشاطبي كثيرًا، ولم يتجاوز رده عليه صفحتين١.

وأما الرأي الأول فقد اعتنى الشاطبي ببسط أدلته ومناقشتها بتفصيل تام٢، مما يدل على "وجاهته" وسعة انتشاره.

ومن مستندات هذا الرأي: أن الاشتغال بالمباحات يلهي عما هو أهم من فعل الطاعات والنوافل، وقد يلهي حتى عن الواجبات، وقد يوقع في بعض الممنوعات، ومن هنا جاء ذم الدنيا ومتاعها وفتنتها. وقد نقل عن السلف الصالح تورعهم عن كثير من المباحات وزهدهم فيها، حتى أصبح الزهد في الدنيا شعار الصالحين، ومنهج المتقين.

وجواب الشاطبي على هذه المستندات، هو أن الكلام إنما هو في "المباح" في حد ذاته. وأما المباح الذي يلهي عما هو خير منه، أو يوقع في بعض المحاذير الشرعية، فهذا موضوع آخر؛ وهو المباح الذي لابسته عوامل خارجية، واتخذ ذريعة ووسيلة إلى غيره، ومعلوم أن الوسائل تعطي حكم المقاصد.


١ الموافقات: ١/ ١٢٤-١٢٥.
٢ من: ١٠٩ إلى: ١٣٠.

<<  <   >  >>