وعلى هذا يمكن القول: إن النظرية أعم وأوسع من القاعدة، وإن النظرية تنطوي على عدد من القواعد. ولكن نظرية المقاصد تندرج فيها النظريات الفقهية والقواعد الفقهية معًا، فضلًا عن الأحكام الجزئية.
وإذا كانت النظرية الفقهية -كما يرى الدكتور جمال الدين عطية- هي عبارة عن "تصور يقوم بالذهن، سواء استنبط بالتسلسل الفكري المنطقي، أو استمد من استقراء الأحكام الفرعية الجزئية"١، فإن نظرية المقاصد تقوم على هذين الأساسين معًا، أي: التسلسل الفكري المنطقي، الذي ينبع من النظر العقلي ومن الأسس العقدية للإسلام، وكذا النتائج الاستقرائية.
فنظرية المقاصد ينتجها النظر العقلي المنطقي القويم، الذي يرى أن شريعة الله، لا يمكن إلا أن تكون شريعة حكمة ورحمة، وشريعة عدل وإنصاف وشريعة تدبير موزون وتقدير مضبوط، لأن هذه سنة الله المطردة في كل مخلوقاته، ولأن هذا هو مقتضى كمالاته سبحانه.
ونظرية المقاصد يسندها ويوقف عليها استقراء تفاصيل الشريعة، فإن من تصفح أحكام الشريعة ونصوصها في مختلف مناحيها ومجالاتها أدرك الكثير من حكمها وعللها ومراميها. ومن نظر في آثارها ونتائجها رأى ما وراءها من مصالح تجلبها ومفاسد تدفعها. ومن تأمل في هذه وتلك، خرج بتصور شامل متكامل عن مقاصد الشريعة ومراميها. وتلك هي: نظرية المقاصد.
وفوق هذا وذاك، فإن نظرية المقاصد، تجد سندها القريب فيما نطقت به النصوص القطعية، ثبوتًا ودلالة، من تعليلات لإرسال الرسل وإنزال الكتب وشرع الشرائع. وهي تعليلات تنبئنا أن الله تعالى إنما أراد بهذا كله الرحمة للعالمين، وتزكية الناس وتعليمهم، وإقامة القسط بينهم، وحفظ فطرتهم في إيمانها ومكارم أخلاقها.
فعلى هذا الأساس تنبني نظرية المقاصد، لتصبح نظرية تحكم تفاصيل الشريعة، وتحكم كل فهم لها، وتوجه كل اجتهاد في إطارها. ونقطة الانطلاق في