للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بقوله: "ما يعاف في العادات يكره في العبادات: كالأواني المعدة بصورها للنجاسات، والصلاة في المراحيض١ والوضوء بالمستعمل، فإنه كالغسالة٢ فلولا غلبة التعليل في هذا الباب، ما ساغ له أن يقرر هذه القاعدة بهذا التعميم. وأظهر من هذا ما ذكره إمام الحرمين قال: "ذهب طوائف من الفقهاء إلى أنه يحرم على الإنسان التضمخ بالنجاسات من غير حاجة ماسة٣ وما ذلك إلا لمنافاته للتعليل الوارد عقب ذكر الوضوء والاغتسال في الآية: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} ٤ فتعليل الوضوء والغسل بقصد التطهير لا غبار عليه، وإن لم يكن المقصود الوحيد.

وفي تفاصيل الصلاة: من لا يستطيع أن يدرك أن مواقيتها ووجوب المحافظة على تلك المواقيت، قصد به -مما قصد- أن تكون الصلاة وآثارها مهيمنة على كل أوقات المصلي، من يقظته إلى منامه، ومن تخفى عليه حكم صلاة الجماعة، والجمعة، والعيدين. والآذان والإقامة ناطقان بمقصودهما. وفي هيئة الصلاة من قيام وركوع وسجود، ما لا يخفى من مظاهر الخضوع لله والتذلل بين يديه. ولما كان السجود هو أكثر تلك الهيئات تعبيرًا عن هذا المعنى، اعتبر المصلي -وهو في سجوده- على غاية التقرب إلى الله، ففي الحديث الصحيح "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء" ٥. والآية مشيرة إلى هذا: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} ٦.

ولشدة ظهور ما يتضمنه الركوع والسجود من معنى الذلة والخضوع من العبد، تعظيمًا للرب سبحانه، فقد جزم الإمام الغزالي بهذا المقصد فيهما، فقال: "وأما الركوع والسجود، فالمقصود بهما التعظيم قطعًا٧.


١ وهي طاهرة.
٢ قواعد الفقه، القاعدة العاشرة.
٣ البرهان، ٢/ ٩٣٩.
٤ سورة المائدة، ٦.
٥ صحيح مسلم.
٦ سورة العلق، ١٩.
٧ الإحياء، ١/ ١٦٠.

<<  <   >  >>