للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

غير إحصان. وخص قطع اليد بالكوع، وفي النصاب المعين١ وجعل مغيب الحشفة حدا في أحكام كثيرة. وكذلك الأشهر والقروء في العدد، والنصاب والحول في الزكوات. وما لا ينضبط رد إلى أمانات المكلفين، وهو المعبر عنه بالسرائر٢.

ومثل هذه التحديديات والضوابط يلجأ إليها المجتهدون في فتاويهم، ويلجأ إليها الحكام في تقنيناتهم، بل يلجأ إليها الناس أنفسهم، في شكل أعراف وتقاليد يحترمونها، وينقادون لها، لأنها تضبط معاملاتهم في حظ ما، لأن المعروف عرفًا، كالمشروط شرطًا، بل كالمشروع شرعًا إذا لم يتناف مع الأحكام الشرعية ومقاصدها.

إذًا، فالضبط والتقنين والتحديد مصلحة معلومة يحتاج إليها جمهور الناس. فهذا جانب معقول مناسب، يمكن القول به في تعليل كثير من الأحكام الشرعية وهذا ليس نفيًا لمعنى التعبد فيها. بل إن التعليل عمومًا لا يتنافى مع التعبد. ومن هنا قالوا إن جانب التعبد "حق الله" لا يخلو منه حكم من الأحكام الشرعية٣، سواء أكان تعبديا أو معللا. وسواء كان في العبادات أو في غيرها. بل إن التعبد في الأحكام، هو نفسه ضرب من التعليل المصلحي الذي لا يخلو عنه حكم من أحكام. فكل حكم يعلم الناس ويدربهم على الانقياد للشرع، وعلى الخضوع لله، ففيه مصلحة. وسيأتي -في الفصل التالي- للشاطبي أن الشريعة تتضمن مصالح جزئية، ومصلحة كلية. وأن المصلحة الكلية هي "أن يكون كل مكلف تحت قانون معين من تكاليف الشرع في جميع حركاته وأقواله واعتقاداته٤ وهذا مع إيماننا بأن لكل حكم علته وحكمته الخاصة به، علمها من علمها، وجهلها من جهلها. أو كما تقدم عن الغزالي، فإن لكل حكم سرا، ونوع لطف


١ يعني نصاب القطع في السرقة.
٢ الموافقات، ٢/ ٣٠٨-٣٠٩.
٣ انظر الفرق ٢٢ من فروق القرافي، والموافقات، ٢/ ٣١٠.
٤ الموافقات، ٢/ ٣٨٦.

<<  <   >  >>