للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تحقق مصلحة ظاهرة في تنظيم الحياة وتسهيل سيرها، وضبط واجباتها وحدودها. فإذا سلمنا بالحكم العامة في الطهارة والصلاة، فلا بد من وضع تفصيلات يسير الناس عليها، تساعدهم على التزام الحد اللازم والمحافظة عليه. وإذا سلمنا بالحكمة العامة للزكاة، فلا بد من تحديد الأنصبة وتقدير المقادير، حتى يعرف كل واحد حقه أو واجبه. وإذا سلمنا بحكمة الصيام، فينبغي رسم حده ومقداره، وبدايته ونهايته، بكيفية تلائم عموم الناس. وإذا سلمنا بحكمة الحج أو حكمه، فلا بد لتحقيق هذا الحكم من جعل الحج في وقت معلوم: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} ١ {فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} ٢ ولا بد له من مراسيم محدودة، ينتظم الناس يها، وينضبطون بها، حتى لا يبقى الحجيج هملا، يموج بعضهم في بعض، وينازع بعضهم بعضًا.

وإذا سلمنا بمبدأ زجر المعتدين والمفرطين ومعاقبتهم، فلا بد من تفصيل ذلك وبيانه، حتى يكون الناس على بينة من أمرهم.

ولولا هذه التقنيات، وهذه الضوابط، لضاعت تلك الأركان والأسس المسلم بها؛ لضاعت بسبب غموضها والتباسها على الناس، ولضاعت بسبب اختلافاتهم فيها، ولضاعت بسبب التهاون في تقديرها وتنفيذها، ولضاعت بالتسويف والمماطلة لعدم توقيتها.

والشاطبي -مرة أخرى- يسعفنا بما يؤيد هذه التعليلات لما "لا يعلل! " فهو يقول: "وأما العاديات، وكثير من العبادات أيضًا، فلها معنى مفهوم، وهو ضبط وجوه المصالح، إذ لو ترك والنظر، لانتشر٣ ولم ينضبط، وتعذر الرجوع إلى أصل شرعي. والضبط أقرب إلى الانقياد ما وجد إليه سبيل. فجعل الشارع للحدود مقادير معلومة لا تتعدى، كالثمانين في القذف، والمائة وتغريب العام في الزنا على


١ سورة البقرة، ١٩٧.
٢ سورة الحج، ٢٨.
٣ أي لتشتت وكثر فيه الخلاف والتفرق.

<<  <   >  >>