للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن هنا أيضًا، فلا عبرة بما قاله ابن السبكي وهو يعقب على قول البيضاوي "الاستقراء دل على أن الله تعالى شرع أحكامه لمصالح عباده تفضلًا وإحسانًا"، حيث قال في الشرح١: "وقد ادعى بعضهم الإجماع على أن الأحكام مشروعة لمصالح العباد. وهذه الدعوى باطلة، لأن المتكلمين لم يقولوا بتعليل الأحكام لا بطريق الوجوب، ولا الجواز"٢.

ولعلنا نتساءل: لماذا أنكر المتكلمون -أو بعضهم على الأصح- القول بالتعليل؟ وما دليلهم على هذا الإنكار؟

ورغم أني أعتبر أن موقف المتكلمين هذا ليس له كبير أهمية في مجالنا موضوعنا، ولا سيما بعد كل ما قدمته عن صحة التعليل وبداهته، فإني أقف قليلًا عند هذا التساؤل، وذلك لأجل "تصفية" المسألة، ومحو كل شبهة حولها، حتى تكون "مسلمة" كما قال الشاطبي.

وأترك ابن السبكي -أحد المنكرين للتعليل- يتمم كلامه السابق حيث يقول: "لأن المتكلمين لم يقولوا بتعليل الأحكام بالمصالح، لا بطريق الوجوب ولا الجواز. وهو اللائق بأصولهم. وقد قالوا: لا يجوز أن تعلل أفعال الله تعالى، لأن من فعل فعلًا لغرض، كان حصوله بالنسبة إليه أولى، سواء كان الغرض يعود إليه أم إلى الغير، وإذا كان كذلك، يكون ناقصًا في نفسه مستكملًا في غيره. ويتعالى الله سبحانه عن ذلك٣.

هذا هو "الدليل" الذي يتردد عند المتكلمين الأشاعرة كلما ذكر إنكارهم للتعليل. وقد تعرض هذا المنطق لنقد كثير من العلماء وردوه جملة وتفصيلًا، حتى قال العلامة محمد الطاهر ابن عاشور: "والحاصل أن الدليل الذي استدلوا به، يشتمل على مقدمتين سسفسطائيتين: أولاهما قولهم: إنه لو كان الفعل لغرض للزم


١ أي في شرح على "المنهاج" للبيضاوي، وهو المسمى الإبهاج في شرح المنهاج.
٢ الإبهاج، ٣/ ٦٢.
٣ الإحالة السابقة.

<<  <   >  >>