للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أن يكون الفاعل مستكملا به. وهذه سفسطة شبه فيها الغرض النافع للفاعل، بمعنى الداعي إلى الفعل والراجح إلى ما يناسبه من الكمال، لا توقف كماله عليه. والثانية قولهم: إذا كان الفعل لغرض، كان الغرض سببًا يقتضي عجز الفاعل. وهذا شبه فيه السبب الذي هو بمعنى الباعث، بالسبب الذي يلزم من وجوده الوجود ومن عدم العدم. وكلاهما يطلق عليه سبب١.

وقد رد عليهم -فيمن ردوا- الأصولي الحنفي ابن الهمام الإسكندري، بأن ما يقال فيما أنعم الله به على عباده، يقال فيما شرع لهم من أحكامه، فإذا كان سبحانه قد أسبغ علينا نعمه من خلق وتقويم وصحة ورزق. لمصلحتنا، فكذلك شرع أحكامه لمصلحتنا. فيما يقال هناك يقال هنا ولا فرق٢.

ورد حنفي آخر -وبشدة- على هذا المنطق الجدلي، وهو القاضي عبيد الله بن مسعود، المعروف بصدر الشريعة، فقال: "وما أبعد عن الحق قول من قال: إنها غير معللة، فإن بعثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لاهتداء الخلق، وإظهار المعجزات لتصديقهم. فمن أنكر التعليل فقد أنكر النبوة. وقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} وقوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ} وأمثال ذلك كثيرة في القرآن ودالة على ما قلنا. وأيضًا لو لم يفعل لغرض أصلًا، يلزم العبث٣.

وإذا كان التعليل على هذه الدرجة من الثبوت والوضوح فما سر هذا الاختلاف الكبير بين المثبتين والمنكرين؟! سؤال محير حقا. وجوابه -مهما يكن- مؤسف جدا. لأنه لا بد وأن يكشف عن جانب -أو جوانب- من الخلل الذي تطرق إلى التفكير الكلامي، والمنطق الكلامي، حتى أصبحت المسلمات التي تواترت بها النصوص، وأجمع عليها المتقدمون، أصبحت محل جدل طويل عند المتكلمين، وعند الأصوليين المتكلمين.


١ التحرير والتنوير، ١/ ٣٨٠.
٢ تيسير التحرير، ٣/ ٣٠٤.
٣ التوضيح في حل غوامض التنقيح، ٢/ ٦٣.

<<  <   >  >>