للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا هو حجر الأساس لموقف الظاهرية عمومًا، وموقف ابن حزم خصوصًا، من مسألة التعليل، والتي سماها صاحبنا: "القضية الملعونة"١.

ومذهب ابن حزم هذا، وخاصة استدلاله بالآيتين المذكورتين، ينطوي على مغالطة فادحة، لم ينتبه إليها العلامة أبو زهرة، في رده المذكور سابقًا. ولهذا لم يصب مذهب ابن حزم في مقتله.

فقوله تعالى: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} معناه أن الله سبحانه لا يحاسبه أحد على أفعاله، ولا يعترض على فعله وحكمه أحد والله يحكم، لا معقب لحكمه٢، بخلاف العباد، فإنهم يسألون، ويحاسبون، ويلامون، ويخطئون. وذلك أن الله تعالى -من جهة- هو خالق كل شيء، ومالك كل شيء، له ما في السموات وما في الأرض، له الأولى والآخرة. ولأنه -ومن جهة أخرى-هو أحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين، وأصدق القائلين، وهو العليم الخبير. فعلى هذا الأساس -أو هذه الأسس- تأتي أفعاله وأحكامه. فلا مجال فيها للاستدراك أو الاعتراض.

لهذا وذاك فإن الرب سبحانه {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ} أي لا يسأل سؤال محاسبة، أو اعتراض.

فهذا هو معنى السؤال في الآية. ولا شك أن توجيه مثل هذا السؤال لله تعالى، كفر.

وهنا يكمن غلط -أو مغالطة- ابن حزم، في منع التعليل بمقتضى هذه الآية وما شابهها من الآيات. فالسؤال من علل الأحكام الشرعية، ومثله السؤال عن أسرار وحكم أفعال الله، هو سؤال تفهم وتعلم، فهو على أصل "الاستفهام" أي طلب الفهم. وهذا النوع من الأسئلة والتساؤلات صدر عن الأنبياء والصالحين،


١ ويقصد بها بالضبط: القول بأن أفعال الله وأحكامه كلها معللة بجلب المصالح. انظر الإحكام، ٨/ ١٢٠-١٢٢، وما بعدها.
٢ سورة الرعد، ٤١.

<<  <   >  >>