للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كيف كانت، وقد قال ربنا سبحانه {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ} ١ الآية.

فالمعتبر إنما هو الأمر الأعظم، وهو جهة المصلحة التي هي عماد الدين والدنيا، لا من حيث أهواء النفوس٢.

ومن هنا جاء الشرع بوضع حدود وقيود على تحصيل مختلف المصالح والاستمتاع بها. لأن الإنسان باندفاعه وقصر نظره، قد يحرص على مصلحة وفيها مفاسد، أو فيها تفويت مصالح أهم منها. وقد يفر من مفسدة قريبة فيقع فيما هو شر منها. وقد يطلب الراحة العاجلة، فيجلب على نفسه -أو على غيره- عناء طويلًا، "ورب شهوة ساعة أورثت حزنًا طويلا وعذابا وبيلًا٣.

وهذا يجرنا إلى مسألة اختلاط المصالح بالمفاسد، بحيث يكون الفعل الواحد مصلحة من جهة ومفسدة من جهة أخرى، أو مصلحة في عاجل أمره ومفسدة في عاقبته ومآله، أو العكس. وقد يكون مصلحة لأحد، مفسدة على غيره. وقديمًا قالوا: مصائب قوم عند قوم فوائد.

ومعنى هذا أنه ليست هنالك مصالح خالصة ومفاسد خالصة "فإذا كان كذلك، فالمصالح والمفاسد الراجعة إلى الدنيا، إنما تفهم على مقتضى ما غلب، فإذا كان الغالب جهة المصلحة فهي المصلحة المفهومة عرفًا. وإذا غلبت الجهة الأخرى، فهي المفسدة المفهومة عرفًا٤.

واختلاط المصالح بالمفاسد تكلم عنه غير واحد ممن سبقوا الشاطبي، فالقرافي يقول: "استقراء الشريعة يقتضي أن ما من مصلحة إلا وفيها مفسدة، ولو قلت على البعد، ولا مفسدة إلا وفيها مصلحة، وإن قلت على


١ سورة المؤمنون، ٧١.
٢ من المسألة الثامنة من النوع الأول من المقاصد، "الموافقات، ٢/ ٣٧-٣٩".
٣ ابن عبد السلام، قواعد الأحكام، ١/ ٨.
٤ الموافقات، ٢/ ٢٦.

<<  <   >  >>