للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

البعد، وقد قال الله تعالى في الخمر والميسر {قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} ١.

وقبل القرافي، نص شيخه ابن عبد السلام على "أن المصالح الخالصة عزيزة الوجود٢.

إلا أن تناول الشاطبي للموضوع امتاز بتدقيق "مقاصدي" مهم، وهو أن الشارح حين يأمر بمصلحة وفيها قدر من المفسدة، فإنه لا يقصد ذلك القدر من المفسدة. وحين ينهي عن مفسدة وفيها نوع من المصلحة، فإنه لا يقصد بالنهي تلك المصلحة:

"فالمصلحة إذا كانت هي الغالبة عند مناظرتها مع المفسدة في حكم الاعتياد، فهي المقصودة شرعًا. ولتحصيلها وقع الطلب على العباد. فإن تبعها مفسدة أو مشقة، فليست بمقصودة في شرعية ذلك الفعل وطلبه.

وكذلك المفسدة إذا كانت هي الغالبة بالنظر إلى المصلحة في حكم الاعتياد، فرفعها هو المقصود شرعيا. ولأجله وقع النهي. فإن تبعها مصلحة أو لذة، فليست هي المقصودة بالنهي عن ذلك الفعل.

فالحاصل في ذلك: أن المصالح المعتبرة شرعًا، هي خالصة، غير مشوبة بشيء من المفاسد، لا قليلا ولا كثيرًا٣.

ولما كانت المصالح والفاسد -في واقع الحياة- على هذا القدر الكثيف من التشابك والاختلاط والتعارض، كان لا بد من التشريع، وكان لا بد من أن يذعن الناس لهذا التشريع، ويدخلوا تحت سلطانه. وهذه هي أم المصالح، أو هي المصلحة "الكلية"، وعنها تصدر، وبها تضمن جميع المصالح. وهو ما يتمثل في


١ شرح تنقيح الفصول، ٧٨.
٢ قواعد الأحكام، ١/ ٧.
٣ الموافقات، ٢/ ٢٦-٢٧.

<<  <   >  >>