للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويؤكد هذا المعنى في سياق آخر، وبشكل أوضح، فيقول: "الأفعال والتروك -من حيث هي أفعال وتروك- متماثلة عقلًا، بالنسبة إلى ما يقصد بها، إذ لا تحسين للعقل ولا تقبيح"١.

ورغم أن الشاطبي -كما هو واضح- يمر على مسألة التحسين والتقبيح مرا سريعًا، على خلاف ما يفعله الأصوليون والمتكلمون الأشاعرة من التوقف المطول والرد المفصل على المعتزلة، رغم هذا، فإن التأثير الأشعري بادٍ على كلامه. فهو يتضمن إنكار حسن الأفعال وقبحها، أي كونها -ذاتها- مصلحة أو مفسدة. إذ الأفعال والتروك -في العقل- "متساوية متماثلة". وإذن، فلا تحسين للعقل ولا تقبيح. وهذا هو جوهر النظرية الأشعرية، يقول الإمام الجويني -وهو أحد أقطاب الأشاعرة- "فليس الحسن صفة زائدة على الشرع مدركة به، وإنما هو عبارة عن نفس ورود الشرع بالثناء على فاعله. وكذلك القول في القبح. فإذا وصفنا فعلًا من الأفعال بالوجوب أو الحظر، فلسنا نعني بما نثبته تقدير صفة للفعل الواجب يتميز بها عما ليس بواجب. وإنما المراد بالواجب: الفعل الذي ورد الشرع بالأمر به إيجابًا. والمراد بالمحظور: الفعل الذي ورد الشرع بالنهي عنه حظرًا وتحريمًا"٢.

ومعلوم أنه توجد -بإزاء نظرية الأشاعرة هذه- نظريتان أخريان هما: نظرية المعتزلة، ونظرية الماتريدية.

أما المعتزلة فيرون أن الحسن والقبح ذاتيان عقليان؛ أي أن الأشياء والأفعال والتروك موصوفة بالصلاح والفساد قبل أن يأتي حكم الشرع بذلك، وأن العقل يدرك ذلك ويثبته. ولكنهم لم يقفوا عند هذا الحد. بل ذهبوا إلى أن الإنسان العاقل مكلف بمقتضى عقله عند عدم وجود الحكم الشرعي، ما دام الحسن والقبح عقليين. ومعنى هذا أن الحكم الشرعي يثبت بالعقل كما يثبت بالسمع.


١ الموافقات، ٢/ ٣٣٣.
٢ الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد، ص٢٥٩، "نقلا عن مذاهب الإسلاميين، لعبد الرحمن بدوي، ١/ ٧٤٣".

<<  <   >  >>