للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما الماتريدية، ومن وافقهم أو وافقوه من أهل التحقيق والإنصاف، فقد أثبتوا كون الحسن والقبح ذاتيين عقليين. ولكنهم لم يرتبوا على ذلك ما رتبه المعتزلة، ولم يعتبروا أن التكاليف والأحكام الشرعية تثبت بمجرد العقل. بل لا بد لذلك من السمع.

وإذا كانت النظرية الاعتزالية قد انقرضت مع أصحابها، حتى أصبحت لا تذكر إلا عند خصومها، وفي سياق تفنيدها والتشنيع عليها، فإن نظرية الأشاعرة قد كتب لها الاستمرار والذيوع، وما زال بعض الكتاب -إلى اليوم- يتبنونها بحذافيرها، مع أن الظروف التي أنتجتها قد ولت منذ قرون. فهذا الدكتور محمد سعيد البوطي يقول: "إن الصلاح والفساد في الأفعال، إنما يعتبر كل منهما أثرًا وثمرة لأحكام الشارع على الأشياء من تحريم وإباحة وإيجاب. وإلا لبطل أن تكون المصالح فرعًا لدين كما ذكرنا"١.

ومعنى هذا أن صلاح الأشياء وفسادها، وصلاح الأفعال وفسادها ثمرة من ثمرات إنزال الشرائع!! وقبل الشرائع وأحكامها لا يكون صلاح ولا فساد!!

وإذا لم نقل بهذا، لزم -على رأي الدكتور البوطي- بطلان ما قرره من كون المصالح فرعًا للدين.

ثم يقول بعد ذلك "وأما أن أحكام الله متأخرة عن المصالح، فلذلك باطل أنكره جمهور المسلمين٢، ويتناقض -لو قيل به- مع ما تقرر من عدم وجود حسن وقبح ذاتيين في الأفعال"٣.


١ ضوابط المصلحة، ٦٥.
٢ لو قال: جمهور الأشاعرة، لكان القول صحيحًا. فهذا مذهب جمهورهم، خلافًا لبعض المنصفين منهم، الذين وافقوا مذهب الأحناف الماتريدية وغيرهم، على ما سيتضح قريبًا بحول الله. أما "جمهور المسلمين" فهيهات!
٣ ضوابط المصلحة، ٦٥.

<<  <   >  >>