للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اللَّهَ} ١، جاءت هند بنت عتبة "زوج أبي سفيان" فبايعت على هذه البنود واحدًا واحدًا. فلما قال لها: {وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ} قالت: "والله إن البهتان لأمر قبيح، وما تأمرنا إلا بالرشد ومكارم الأخلاق"٢.

ولنتذكر، ولنتأمل، ذلك الموقف الجليل، للسيدة العظيمة، أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، وهو الوارد في قصة بدء الوحي، حيث عاد إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أصابه من هول الوحي ما أصابه، فقص عليها الخبر وقال: "لقد خشيت على نفسي"، فقالت له خديجة: كلا أبشر، فوالله ما يخزيك الله أبدا، فوالله إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق٣.

والتأمل في هذا الموقف، وفي هذا القول، ينبغي أن يوجه إلى ثلاثة جوانب منه، كلها تشهد بالحسن والقبح الذاتيين العقليين:

١- الرسول صلى الله عليه وسلم كان متخلقا بهذه الأخلاق قبل الوحي وقبل البعثة مستحسنًا إياها بعقله السليم وفطرته النقية.

٢- السيدة خديجة رضي الله عنها، تستحسن أيضًا، هذه الفعال الكريمة، وترتضيها من زوجها، وتعتبرها من مكارمه وفضائله، وليست في هذا مستندة إلى أي حكم شرعي.

٣- السيدة خديجة توقن أن هذه الأفعال لا يمكن أن تلقى من الله إلا الرضى والمحبة، ولا يمكن أن يلقى صاحبها من الله إلا الرعاية والتكريم والجزاء الحسن.

ولست أدري ما يقول المنكرون للحسن والقبح، فيما وصف الله تعالى به عددا من الأشياء والأفعال، كوصفه الخمر والميسر والأنصاب والأزلام بأنها


١ سورة الممتحنة، ١٢.
٢ رواه الطبري بسنده إلى ابن عباس، انظر التحرير والتنوير، لابن عاشور، ٢٨/ ١٦٨.
٣ صحيح البخاري.

<<  <   >  >>