للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هريرة، والقاضي أبي حامد، وغيرهم، وقد اعتذر القاضي في "التقريب" والأستاذ أبو إسحاق في أصوله، والشيخ أبو محمد الجويني في "شرح الرسالة" عمن وافق المعتزلة من أصحابنا بأنهم لم يكن لهم قدم راسخ في الكلام. وربما طالعوا كتب المعتزلة فاستحسنوا هذه العبارة، وهي "شكر المنعم واجب بالعقل" فذهبوا إليها غافلين عن تشعبها عن أصول القدرية"١.

ومن غريب ما تصنعه الخصومات والصراعات أن تجد الإمام الغزالي -وهو عملاق الفكر الإسلامي- يخشى ويحذر أن ينسب إليه ما نسب إلى هؤلاء، من التأثر بالمعتزلة. فقد هم أن يصرح بإدراك العقول للمصالح، ولكنه اختار عبارة حذرة. فقال فيما يخص حفظ النفوس وأنه أمر ضروري: "والعقول مشيرة إليه وقاضية به لولا ورود الشرائع. وهو الذي لا يجوز انفكاك شرع عنه عند من يقول بتحسين العقل وتقبيحه٢. ونحن وإن قلنا: إن لله سبحانه وتعالى أن يفعل ما شاء بعباده وأنه لا يجب عليه رعاية الصلاح، فلا ننكر إشارة العقول إلى جهة المصالح والمفاسد". إلى أن قال -وهذا هو بيت القصيد- وإنما نبهنا على هذا


١ رفع الحاجب عن ابن الحاجب، ١/ ق ٨٢/ ب، نقلا عن هامش الدكتور محمد حسن هيتو "المنخول، ص١٥".
٢ يشير إلى المعتزلة وقوله: يجب على الله رعاية الصلاح للعباد، وأنه لا يجوز عليه خلاف ذلك، وانظر كيف أبعد الغزالي عن نفسه هذه المقالة، مع أن عبر عن هذا المعنى نفسه، وبعبارة أقوى، حيث قال عن حفظ الضروريات الخمسة "يستحيل أن لا تشمل عليه ملة من الملل" "المستصفى، ١/ ٢٨٨" بل هو في نفس السياق أعلاه يقول عن تحريم الخمر حفظًا للعقل -ودون أن ينسب ذلك لأهل التحسين والتقبيح- فهذا أيضًا لا يجوز أن تنفك عنه عقول العقلاء، ولا أن يخلو عنه شرع مهد بساطه لرعاية مصلحة الخلق في الدين والدنيا" "شفاء الغليل، ١٦٤.
وقد تنبه أحد الأصوليين المتأخرين -وهو أمير باد شاه- إلى أن الخلاف مع المعتزلة في مسألة الوجوب، يمكن أن يكون خلافًا لفظيا لا غير، قال "نعم لو فسروا الوجوب بأنه أمر لا بد منه لا يتخلف البتة فلا نزاع" تيسير التحرير، ٣/ ٣٠٣.
وقد وضع الطوفي مخرجًا توفيقيا طريفًا من هذا النزاع في رعاية المصلحة من الله، وهل ذلك وجوب أو تفضل، فقال والحق أن رعاية المصالح واجبة من الله عز وجل، حيث التزم التفضل بها، لا واجبة عليه". انظر المصلحة في التشريع الإسلامي ونجم الدين الطوفي، ص٢١٤.

<<  <   >  >>