للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القدر كي لا ننسب إلى اعتقاد الاعتزال، ولا ينفر طبع المسترشد عن هذا الكلام، خيفة التضمخ بعقيدة مهجورة يرسخ في نفوس أهل السنة تهجينها.

فليعتقد -على هذا التأويل١- أن العقول ترشد إلى الزجر عن القتل، بالقصاص٢ أي أن العقول تستحسن القصاص حفظًا للنفوس، وزجرًا عن العدوان عليها، حتى لو لم ترد به الشرائع.

وإذا كان ابن السبكي قد حكى لنا -في نصه المتقدم- عن بعض الأشاعرة الذين وافقوا المعتزلة في جانب من مسألتنا، وأن الأشاعرة اللاحقين قد اعتذروا عنهم، أي التمسوا لهم العذر، فإننا اليوم بحاجة إلى أن نلتمس العذر لأولئك الذين أنكروا البدهيات ودافعوا عن الأوهام والخيالات، نكاية بالمعتزلة وإمعانًا في مناقضتهم. وقد تكون لهم أعذار أخرى. منها مثلًا، أن معظم المؤلفات الأشعرية تحصر الخلاف في المسألة بين المعتزلة القائلين كذا وكذا وكذا، وبين الأشاعرة. فينفر الدارس من المعتزلة، نظرًا لغلوهم وسوء سمعتهم، ثم لا يجد أمامه إلا أن يتبنى مقولات الأصحاب ويدافع عنها.

وإلى هذا الخلل الملابس للمسألة، يشير الشيخ محمد بخيت المطيعي، مفتي الديار المصرية في وقته -وهو حنفي- فيقول: "بل إن أكثر كتب الأصول الشافعية لا يوجد فيها تفصيل ما يتعلق بمذهب الحنفية. بل يقتصرون على نسبة القول بعقلية الحسن والقبح للمعتزلة. مع أن كثيرًا من الشافعية الذين تعرضوا لنقل مذهب الحنفية، اختاروا المذهب الوسط الذي هو مذهب أكثر الحنفية، لأنه هو الذي يشهد له الكتاب والسنة"٣.

ولعل أقوى أعذارهم -أو حججهم- هو أنهم رأوا أن القول بتحسين العقل وتقبيحه، أي بإدراكه للمصالح والمفاسد، يفتح الباب لكل ملحد، ولكل منكر


١ لاحظ كثرة الاحتياطات!
٢ شفاء الغليل، ١٦٢-١٦٣.
٣ سلم الوصول لشرح نهاية السول، وهو مطبوع على هامش، نهاية السول في شرح منهاج الأصول، للأسنوي، ١/ ٨٥-٨٦.

<<  <   >  >>