والشاطبي، كما تقدم، وضع قانونًا عظيمًا، للترجيح بين عدد من الحالات التي تتعارض فيها مصالح الناس ومفاسدهم١.
وللإمام عز الدين بن عبد السلام ترجيحات أكثر تفصيلًا بين مختلف المصالح والمفاسد. بل إن هذا الموضوع هو أكثر ما يغطي كتابه:"قواعد الأحكام في مصالح الأنام".
ورغم كل هذا وغيره، فإن الأمور -عند التطبيق- تظل بحاجة شديدة إلى النظر والتمييز والتقدير، لتحديد الراجح من المرجوح، ولتحديد أي المصلحتين أصلح، وأيهما أكبر، ولتحديد أهون الشرين، وأعظمهما ضررًا، ولتمييز ما هو من قبيل جلب المصلحة وما هو من قبيل درء المفسدة. ولتمييز حد الضرورة مما لا يبلغه. ولتمييز ما يعتبر من مصلحة الآخرة وما يعتبر من مصلحة الدنيا، وتحت كل هذا ما لا يحصى من الصور والوقائع التي يقع فيه التعارض، وتحتاج إلى التقدير والترجيح، أي تحتاج إلى العقل والنظر.
١ المسألة الخامسة من مقاصد المكلف، أو راجع الخلاصة المتقدمة في هذا البحث. فقرة مقاصد المكلف.