للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبالتأمل في هذه المجالات ومدى حاجاتها إلى إعمال العقل وإيقاد الفكر، يتضح لنا جليا، أن حكمة الله اقتضت أن يفسح للعقل البشري وللاجتهاد البشري مجالات رحبة للعمل والنضج والترقي.

ومن المقاصد العامة للإسلام: تزكية الإنسان، وهو مقصد ثابت نصا واستقراء.

فقد علل القرآن الكريم البعثة النبوية، بتزكية الناس -وبهذا اللفظ نفسه- أربع مرات، هي:

- {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ} [البقرة: ١٥١] .

- {يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ} [البقرة: ١٢٩] .

- {يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ} [آل عمران: ١٦٤] .

- {يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ} [الجمعة: ٢] .

وأرى -والله أعلم- أن من تزكية الإنسان تزكية عقله، بتنميته وترشيده وتشغيله. وهذا ما فعله الشرع، حيث عمل على تحريم العقول وإطلاقها من قيودها، ورفع عنها ما كان يعطلها من أوهام وخرافات. وطعمها بقيمه وأحكامه، ثم ترك لها المجال واسعًا لتعمل وتتزكى. وهذا وجه آخر من وجوه حفظ العقل. فحفظ الشريعة للعقل ليس منحصرًا في تحريم المسكرات والمعاقبة عليها، فكم من عقول ضائعة وهي لم تر ولم تعرف مسكرًا قط. ولكن أسكرها الجهل والخمول، والتعطيل، والتقليد.

وعلى هذا، فإن إعمال العقل وفسح المجال له، ليس فحسب مساعدًا على تقدير المصالح وحفظها، بل هو نفسه مصلحة من المصالح الضرورية. لأن في إعماله حفظًا له. وحفظه هو أحد الضروريات المتفق عليها.

<<  <   >  >>