للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في المقاصد العامة للشريعة، ويبني عليها اجتهاده. هذا مع العلم أن الإمام الشافعي هو أقل الأئمة الأربعة اعتمادًا على المصالح والمقاصد.

وتنصيص الأصوليين الشافعية على هذا المسلك الاجتهادي عند الإمام الشافعي، هو اشتراط ضمني لمعرفة مقاصد الشريعة وضرورة مراعاتها والبناء عليها.

ومما ينسجم مع هذا المسلك، ما ذهب إليه إمام الحرمين من أن المصالح الضرورية إذا جاء القياس بخلافها، ترك وقدمت عليه القواعد العامة التي تقتضي حفظ الضروريات. قال: "ومن خصائص هذا الضرب أن القياس الجزئي فيه -وإن كان جليا- إذا صادم القاعدة الكلية، ترك القياس الجلي للقاعدة الكلية"١.

وقد مثل هذا بقتل الجماعة بالواحد، فإنه خلاف القياس الذي يقتضي المماثلة "النفس بالنفس"، ولكن حفظ الأنفس، الذي هو من أبرز مقاصد الشارع، اقتضى قتل الجماعة إذا اشتركوا في قتل واحد. لأنه لو لم يقتلوا، لكان ذلك مغريًا باللجوء إلى القتل المشترك، تهربًا من القصاص. وهذا اعتماد واضح على المقاصد الضرورية وتقديم لها على القياس الجزئي، ولو كان جليا.

وقال الإمام الغزالي: "ونحن نجعل المصلحة تارة علمًا للحكم، ونجعل الحكم أخرى علمًا لها"٢.

وقد رأينا أن الغزالي لا يعتد بالمصلحة، إلا إذا ظهر أنها مقصودة للشارع فمعنى نصه هذا: أن مقاصد الشارع تتخذ دليلًا على الحكم، مثلما يتخذ الحكم دليلًا على مقصود الشارع. وهذا يستلزم معرفة المجتهد لمقاصد الشريعة.

ورأينا أيضًا أن الأصوليين، أدخلو المقاصد في باب التراجيح، ونصوا على ترجيح المقاصد الضرورية على الحاجية، والحاجية على التحسينية، كما


١ البرهان، ٢/ ٩٢٧.
٢ المنخول، ٣٥٥.

<<  <   >  >>