للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تعرضوا لترجيح الضروريات فيما بينها، وهذا اشتراط ضمني للعلم بالمقاصد في حق كل من يجتهد ويرجح بين العلل والمقاصد. فلا يمكن أن يرجح بين المقاصد إلا عالم بها.

ولقد كان الإمام القرافي صريحًا في اشتراط معرفة المقاصد، ليس في المجتهد فحسب، بل حتى في حق الفقيه المقلد، وإن كان لكل منهما مرتبته. قال: "ولكنه "أي الفقيه المقلد" إذا وقعت له واقعة ليست في حفظه، لا يخرجها على محفوظاته، ولا يقول: هذه تشبه المسألة الفلانية، لأن ذلك إنما يصح ممن أحاط بمدارك إمامه وأدلته وأقيسته وعلله التي اعتمد عليها مفصلة، ومعرفة رتب تلك العلل ونسبتها إلى المصالح الشرعية، وهل هي من باب المصالح الضرورية، أو الحاجية، أو التتمية، وسبب ذلك أن الناظر في مذهبه والمخرج على أصول إمامه: نسبته إلى مذهبه وإمامه كنسبة إمامه إلى صاحب الشرع في اتباع نصوصه والتخريج على مقاصده"١.

وإذًا، فالمقاصد يجب أن يعرفها المجتهد ليتأتى له التخريج عليها، ويجب أن يعرفها الفقيه المقلد، لأن فقه إمامه قد بني عليها، فلا يستطيع هو أن يفتي بذلك الفقه ويخرج عليه حتى يعرف المقاصد التي بني عليها، والمصالح التي راعاها.

وأعود إلى شيخ المقاصد.

فقد تقدم أنه جعل الشرط الأول والأعظم لبلوغ مرتبة الاجتهاد هو معرفة المقاصد على كمالها، قال: "فإذا بلغ الإنسان مبلغًا فهم عن الشارع فيه قصده في كل مسألة من مسائل الشريعة، وفي كل باب من أبوابها، فقد حصل له وصف هو السبب في تنزيله منزلة الخليفة للنبي صلى الله عليه وسلم في التعليم والفتيا والحكم بما أراه الله"٢.


١ الفروق، الفرق ٧٨.
٢ الموافقات، ٤/ ١٠٦-١٠٧.

<<  <   >  >>