للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم تطرق إلى الترجيح فيما بين الضروريات نفسها. فنص على ترجيح ضرورة الدين على بقية الضروريات، ثم قال: "وقد يرجح العكس، بأن حق الآدمي -لتضرره- مرجح على حق الله، لعلوه عن الضرر"١. ثم رد على هذا الرأي، مختصرًا ما قاله الآمدي بالضبط. وكذلك تابعه في تقديم حفظ النسل على حفظ العقل.

البيضاوي "ت ٦٨٥"- كالرازي- يقسم المقاصد إلى أخروية ودنيوية. فالأخروية كتزكية النفس. والدنيوية: إما ضرورية "كحفظ النفس بالقصاص، والدين بالقتال، والعقل بالزجر عن المسكرات، والمال بالضمان، والنسب بالحد على الزنا"٢، وإما مصلحية كنصب الولي للصغير، وإما تحسينية كتحريم القاذورات.

وأما الأسنوي "ت ٧٧٢"، فلم يعلق على هذا الترتيب للضروريات بشيء. بل التزم به في شرحه للفقرة المتقدمة٣. ولكنه ذكرها في موضع آخر على هذا النحو: "الضروريات الخمس، وهي: حفظ الدين، والنفس، والعقل، والمال، والنسب"٤. واكتفى في باب التجريحات، بحكاية ترتيب الآمدي وابن الحاجب، دون أن يعلق بشيء أيضًا٥.

وهكذا تأرجح الأصوليون، في ترتيبهم للضروريات الخمس، ما بين ترتيب الغزالي، وتريتب الآمدي، أو عدم التزام ترتيب معين. وترتيب الغزالي والآمدي يتفقان في تقديم الدين، فالنفس، وفي تأخير المال. ويختلفان في النسل والعقل، أيهما يقدم وأيهما يؤخر؟ والأقرب إلى المنطق ما ذهب إليه الآمدي، علمًا بأن الغزالي لم يعلل ترتيبه ولم يدافع عنه.


١ المرجع السابق، ٢٢٧-٢٢٨.
٢ منهاج الوصول إلى علم الأصول، مع شرحه، ٤/ ٧٥.
٣ نهاية السول في شرح منهاج الأصول، ٤/ ٨٢-٨٤.
٤ المرجع السابق، ٣٨٨.
٥ المرجع السابق، ٥١٥.

<<  <   >  >>