للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإذا ثبت هذا، فلأعرج على بعض الأقوال التي تحتاج إلى تصحيح في موضوعنا هذا، وأعني ما قاله كل من: الدكتور وهبة الزحيلي، والدكتور محمد سعيد البوطي.

- فالدكتور الزحيلي يقول: "يرتب المالكية والشافعية هذه الأصول، أو الضروريات الخمس على النحو الآتي: الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال. ويرتبها الحنفية على النحو التالي: الدين، ثم النفس، ثم النسب، ثم العقل، ثم المال"١.

والحقيقة أن ربط ترتيب هذه الضروريات بالمذاهب الفقهية، هو مجرد إقحام لا مسوغ له. فالمسألة، لا صلة لها -أصلًا- بالمذاهب. ثم إن نسبة ترتيب ما- أيا كان- إلى الحنفية، هو مجرد تكلف لا يقوم على أساس. فليس للحنفي دخل في هذه المسألة، ولا حتى للمالكية، وإن كان ابن الحاجب المالكي قد تابع ترتيب الآمدي، كما تابعه غيره. وقد أحالنا الدكتور الزحيلي في قوله السابق على مرجع حنفي هو "مسلم الثبوت". وهذا المرجع لا حجة فيه من جهتين: من جهة أن صاحبه متأخر جدا "ت ١١١٩هـ"، ومن جهة أنه لم يضع ذلك الترتيب من عنده، ولا قدمه باسم المذهب الحنفي. وإنما تابع فيه الأصوليين الشافعية لا غير. ومعلوم أن "مسلم الثبوت" من المؤلفات الجامعة بين طريقتي الحنفية والشافعية، وهو عندما ذكر الضروريات لأول مرة، ذكرها وفق ترتيب الغزالي -وهو شافعي- أي بتقديم العقل على النسب٢، وعندما أوردها في باب الترجيحات، اختار -على غرار صنيع الآمدي- أسبقية النسب على العقل٣. والآمدي شافعي أيضًا.

وإذن، فالترتيبان معًا، من وضع الأصوليين الشافعية، ثم تابعهم المالكية والحنفية. مع أن المسألة لا علاقة لها بالتمذهب الفقهي. وإنما هي محض اجتهاد شخصي.


١ أصول الفقه الإسلامي ٢/ ٧٥٢-٧٥٣.
٢ مسلم الثبوت، مع شرح فواتح الرحموت، ٢/ ٢٦٢، مع التذكير بأن الغزالي يعبر بالنسل لا بالنسب.
٣ المرجع السابق، ٣٢٦.

<<  <   >  >>