للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهو لا يفتأ يؤكد ويثبت "أن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها. وأنها ترجح خير الخيريين وشر الشرين، وتحصل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما، وندفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما١. ثم يمضي يفصل الأمثلة من الأحكام الشرعية مطبقة على هذه القواعد الجامعة.

وقد أمر الله العباد بأن يبذلوا غاية وسعهم في التزام الأصلح فالأصح، واجتناب الأفسد فالأفسد، وهذا هو الأساس الأكبر للتشريع الإسلامي: "فإن مدار الشريعة على قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} المفسر لقوله: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} وعلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" أخرجاه في الصحيحين، وعلى أن الواجب تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها. فإذا تعارضت كان تحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما، ودفع أعظم المفسدتين مع احتمال أدناهما، هو المشروع"٢.

ونأخذ نموذجًا تطبيقيا لكلامه في المقاصد، وهو بيانه لمقاصد الولايات الشرعية، من خلافة، وقضاء، وحسبة، وفي هذا يقول "أصل ذلك أن تعلم أن جميع الولايات في الإسلام مقصودها أن يكون الدين كله لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا، فإن الله -سبحانه وتعالى- إنما خلق الخلق لذلك، وبه أنزل الكتب، وبه أرسل الرسل، وعليه جاهد الرسول والمؤمنون"٣. وفي موضع آخر يقول: "فالمقصود الواجب بالولايات: إصلاح دين الخلق، الذي متى فاتهم، خسروا خسرانًا مبينًا، ولم ينفعهم ما نعموا به في الدنيا، وإصلاح ما لا يقوم الدين إلا به من أمر دنياهم"٤.

ومقاصد الولايات الشرعية، إنما هي امتداد لوظيفة النبوات، وفرع لها، فمقاصد الولايات هي مقاصد النبوات. ولهذا نجده يربط بين الأمرين في قوله:


١ مجموع الفتاوى، ٢٠/ ٤٨.
٢ مجموع الفتاوى، ٢٨/ ٢٨٤.
٣ مجموع الفتاوى، ٢٨/ ٦١.
٤ مجموع الفتاوى، ٢٨/ ٢٦٢.

<<  <   >  >>