للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والقمار وجهل معرفة المبيع والإحاطة بأكثر أوصافه، فإن جهل منها اليسير، أو دخلها الغرر في القليل، ولم يكن القصد إلى مواقعة الغرر، فليس من بيوع الغرر. المنهي عنها، لأن النهي إنما يتوجه إلى من قصد الشيء واعتمده"١.

وهذا تأكيد لما سبق من أن الغرر اليسير، والذي تدعو الحاجة إلى مواقعته -من غير أن يكون مقصودًا من أحد المتبايعين- خارج عن مقتضى النهي. لأن الشارع لا ينهى عما فيه مصلحة راجحة.

ومن هذا المنطق المصلحي، المراعي لمقاصد الشارع، يجوز المالكية -خلافًا للشافعية- بيع العين الغائبة الموصوفة. والبيع لازم إذا جاء المبيع على ما وصف به. والحنفية، وإن جوزوا هذا البيع، فإنهم يثبتون فيه خيار الرؤية، حتى ولو كان الموصوف كما وصف. وبهذا أبطلوا فائدته وفوتوا مقصوده.

ومن هذا القبيل أيضًا: ما نقله الشاطبي في بعض فتاويه، على كتاب "العتبية" من سماع ابن القاسم قال: "وسألت مالكًا عن معاصر الزيت، زيت الجلجلان والفجل: يأتي هذا بأرادب٢، وهذا بأخرى. حتى يجتمعوا فيها، فيعصرون جميعًا. قال: إنما يكره هذا لأن بعضه يخرج أكثر من بعض. فإذا احتاج الناس إلى ذلك، فأرجو أن يكون خفيفًا لأن الناس لا بد لهم مما يصلحهم. والشيء الذي لا يجدون عنه بدا ولا غنى، فأرجو أن يكون لهم في ذلك سعة إن شاء الله، ولا أرى به بأسًا. قال: والزيتون مثل ذلك.

قال ابن رشد: خففه للضرورة إلى ذلك، إذ لا يتأتى عصر اليسير من الجلجلان والفجل على حدته٣.

وهذا النص للإمام مالك، ليس مجرد مثال فقهي لمراعاة المصلحة وبناء الأحكام عليها، ولكنه -إذا تؤمل- يؤصل ويقعد للمسألة ونظائرها.


١ الكافي في فقه أهل المدينة: ٢/ ٧٣٥.
٢ الأرداب: جمع إردب، وهو مكيال ضخم، يقال: إنه يضم أربعة وعشرين صاعًا "المحقق: أبو الأجفان".
٣ فتاوى الإمام الشاطبي: ١٥٩.

<<  <   >  >>