للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أخذ بها على شكل "استحسان" مبهم نوعًا ما، فإن الإمام مالكًا لم يقع في شيء من هذا، لأنه لم يؤسس مذهبه، بل وجده تاما مستقرا.

والغريب أن الشيخ مصطفى الزرقاء اعتبار أن نظرية الاستصلاح المالكية، هي تطوير وإنضاج للاستحسان الحنفي، يقول: "ولكن المذهب المالكي لتأخره عن الحنفي في التاريخ، تركزت فيه الصياغة الفنية لقاعدة المصالح المرسلة وشرائطها، فبرزت فيه واشتهر بها"١.

وإذا أخذنا بعين الاعتبار ما قدمته عن حقيقة "المذهب المالكي"، فإن الأمر أوضح من أن يحتاج إلى توضيح.

ولكن حتى إذا أغفلنا ذلك كله، فإن كلام الأستاذ الزرقاء لا يمكن قبوله إلا في سياق قلب الحقائق! لأن الثابت عيانًا هو استفادة المذهب الحنفي -بل سائر المذاهب الثلاثة الأخرى- من المذهب المالكي وأصوله، ومن الإمام مالك خاصة.

وإذا كانت رواية أبي حنيفة عن مالك، واطلاعه على موطئه، مما قد يشك فيه٢، فإن الاستفادة الكبيرة لقطبي المذهب الحنفي: محمد بن الحسين، وأبي يوسف، من الإمام مالك مباشرة، أمر لا غبار عليه.

والظاهر أن الأستاذ الكريم اعتمد في ظنه على كون الإمام أبي حنيفة "ت ١٥٠" متقدمًا في العمر على الإمام مالك "ت ١٧٩"، وهذه مسألة لا قيمة لها، وخاصة إذا نظرنا إليها في جملة معطيات وحقائق أخرى.


١ المدخل الفقهي العام: ١/ ١١٤.
٢ أما كون أبي حنيفة من الرواة عن مالك، فتذكره المصادر المالكية بلا تردد "انظر الانتقاء لابن عبد البر ص١٢، وترتيب المدارك لعياض ٢/ ١٧٤" بينما تكتفي المصادر الحنفية بذكر شهادة مالك لأبي حنيفة وذكائه المفرط "انظر نصب الراية للزيلعي ١/ ٣٧، والمبسوط للسرخسي ١٢/ ٢٨". وقد حاول الشيخ زاهد الكوثري التشكيك في صحة حديثين عن أبي حنيفة عن مالك. ونقل عن ابن حجر عدم ثبوت رواية أبي حنيفة عن مالك "على هامش الانتقاء من ١٢ - ١٣ - ١٤". وعلى كل فالتلاقي بين الرجلين تتفق عليه المصادر المذكورة وغيرها.

<<  <   >  >>