للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهذه لمحات عن مكانة مراعاة المصالح المقصودة للشارع، في المذهب المالكي. وقد بلغ من شدة وضوح الاربتاط بين مقاصد الشارع، ومصالح الخلق، أن نجد أحد كبار الفقهاء المالكية يقرر أن قواعد المعاملات وأسس المعارضات أربعة، هي:

- قوله تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْأِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} ١.

- وقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} ٢.

- وأحاديث الغرر.

- واعتبار المقاصد والمصالح٣.

وأختم هذه الفقرة بإيراد بعض التعليلات المنقولة عن الإمام مالك، وهي تعليلات تربط الأحكام بمصالحها، وتفهم النصوص بمقاصدها "فضلا عما تقدم، وما سيأتي في بقية الفقرات".

فمن ذلك ما أورده القرطبي في تفسيره، عن حكم الضيافة التي جاء الأمر بها في الأحاديث، ومتى تجب ومتى لا تجب؟ قال: "اختلف العلماء فيمن يخاطب بها، فذهب الشافعي ومحمد بن الحكم إلى أن المخاطب بها أهل الحضر والبادية. وقال مالك: ليس على أهل الحضر ضيافة. قال سحنون: إنما الضيافة على أهل القرى، وأما الحضر فالفندق ينزل فيه المسافر"٤.

ومعنى هذا أن مالكًا أدار الحكم على مقصوده وحكمته، وهي سد حاجة المسافر والمهاجر، فإذا كان يجد لنفسه أماكن للإقامة والمبيت وغير ذلك من ضروراته، فقد سقط وجوب استضافته، ويبقى التفضل والإحسان. وإذا لم يجد ذلك وجب على أهل البلد استضافته، وهو واجب كفائي طبعًا. بينما الشافعي


١ سورة البقرة: ١٨٨.
٢ سورة البقرة: ٢٧٥.
٣ أحكام القرآن، للقاضي أبي بكر بن العربي: ١/ ٩٦.
٤ الجامع لأحكام القرآن: ٩/ ٦٤.

<<  <   >  >>