للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفقيه ألا يغيب عنه الالتفات إلى مقصود الشارع، وهو المصلحة والعدل: فإذا وجد مصالح مهملة ومضيعة، فالاستحسان يقتضيه أن يجتهد ويقرر ما يعد لها اعتبارها ويحقق حفظها. وإذا رأى أضرارًا قائمة، فالاستحسان أن يجتهد ويفتي بمنع تلك الأضرار. وإذا رأى نصوصًا شرعية تفهم على نحو يفضي إلى حصول ضرر محقق، أو إلى تفويت مصلحة محترمة في الشرع، استحسن إعادة النظر في ذلك الفهم، وإذا وجد قياسًا خرج على خلاف مقصود الشارع في العدل والمصلحة، فليعلم أنه قياس غير سليم، أو في غير محله، فيستحسن ألا يتقيد به، وأن يرجع إلى القواعد العامة للشريعة. وبهذا يكون الاستحسان -فعلًا- تسعة أعشار العلم.

ومن هذا القبيل أن ابن عبد البر نقل عن مالك أحكامًا واجتهادات تتعلق بالمعاملات وحسن الجوار، ثم قال: "وهذا كله استحسان واجتهاد في قطع الضرر"١.

فالاستحسان المالكي -إذن- هو الحرص على جلب المصلحة ودرء المفسدة "وكلمة الاستحسان عند مالك تعني حكم المصلحة عند عدم وجود نص شرعي. ولهذا كان مالك يترك القياس إذا خالف المصلحة الملائمة لمقاصد الشارع"٢.

ويقول الدكتور وهبة الزحيلي: "والحقيقية أنني لو تعقبت جميع أنواع الاستحسان، لما وجدت فيها ما يدعو إلى جعل الاستحسان دليلًا مستقلا قائمًا بذاته. وأكثر ما يعتمد على المصالح المرسلة"٣.

ثم قال بعد ذلك: "وإن أكثر ما يعتمد عليه الاستحسان، هو المصلحة المرسلة، وهو الاستحسان المصلحي الذي قال به المالكية"٤.


١ الكافي في فقه أهل المدينة: ٢/ ٩٣٨.
٢ المدخل للتشريع الإسلامي: ٢٥٥.
٣ أصول الفقه الإسلامي: ٢/ ٧٤٧.
٤ المرجع السابق: ٧٥١.

<<  <   >  >>