للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث السادس: تقويم منهج البحث التاريخي]

دار نقاش حاد وجدل بين المؤرخين والعلماء حول موضوع "المنهج العلمي للبحث التاريخي" وأيضا بين بعض المناطقة والفلاسفة في القرن "التاسع عشر"، وما زال مستمرا حتى الآن، لقد دار الجدل حول طبيعة المادة التاريخية وطرائق الوصول إلى الحقيقة العلمية المجردة والثابتة ونعرض فيما يلي وجهتي النظر:

١- لقد أنكر كثير من العلماء الطبيعيين والمناطقة على المعرفة التاريخية علميتها "الوضعية" وصحة حقائقها وثبوتها، بحجة عدم إمكان إخضاعها لطرائق العلم الوصفي الحديث، المعتمد على الملاحظة المباشرة والتجربة واستنباط القوانين وحتميتها.

٢- لا يمكن ملاحظة جميع أحداث التاريخ المعاصر، بنزاهة واستيعاب وتجرد، فهي تحدث مرة واحدة في زمانها ومكانها، وقد تجري بشكل مفاجئ وفي ساحات متعددة، مما يصعب معه الإحاطة بها بالملاحظة المباشرة ولهذا فمن الأحرى أن يصعب الإحاطة بالأحداث التي مضت.

٣- التاريخ لا يعيد نفسه تماما، وعنصر الصدفة قد يبتر أي محاولة لاستشفاف المستقبل والتنبؤ بالحدث قبل وقوعه، لهذا يقول البعض: إن التاريخ مجموعة أقاصيص كاذبة أو صادقة١، وآخرون: إن التاريخ نوع ممتع من الأدب، وقد أكد رجال الأدب أن التاريخ فن من الفنون وليس علما من العلوم، ويرى آخرون أن التاريخ أخطر إنتاج صنعته كيمياء الفكر٢.

٤- إن مصدر الباحث التاريخي في المعرفة لا يعتمد على الملاحظة المباشرة، ومصادره غير مباشرة من مثل: الآثار والسجلات أو الأشخاص، وقد يشك في قدرتهم على الاحتفاظ بالحقيقة بعد مرور فترة زمنية عليها، كما أن الباحث التاريخي لا يستطيع أن يصل إلى كل الحقائق المتصلة بمشكلة بحثه، قد لا يستطيع الكشف عن كل الأدلة واختبارها، لهذا فإن المعرفة التي يتوصل إليها جزئية وليست كاملة.

٥- على الرغم من أن غرض العلم هو التنبؤ فإن الباحث التاريخي لا يستطيع دائما أن يعمم Generalize" على أساس الأحداث السابقة، لأن هذه الأحداث كانت غالبا غير مخططة، أو أنها لم تتطور كما هو مخطط لها، فهناك عوامل أخرى لا يمكن التحكم


١- هرنشو. علم التاريخ، ترجمة: عبد الحميد العبادي. القاهرة ١٩٤٤. ص٢.
٢ Regard Sur Le mondactual, Paris, Gallimare. ٢٤ Eailien. p ٤٣.

<<  <   >  >>