إن كل البحوث التي تتناول أي نوع من الظاهرات الاجتماعية في إطارها السالف، أي فيما مضى من الزمان تعتمد على المنهج التجربي، وبتعبير ابن خلدون نفسه، أمر يحدث "في المرات المتعددة بالتكرار ليحصل عنه العلم أو الظن" وبهذا يصبح المنهج التجربي المنهج الوحيد الذي يستخدم في دراسة وقائع وأحداث ماضية، باعتبار أنها تجارب عرضية يمكن الاستدلال منها للتوصل إلى وضع قوانين وصياغة نظريات خاصة بالبشرية في معاشرتهم بعضهم بعضا، وهذا النوع من الاستدلال المبني على ملاحظات حسية، أي مشاهدات اجتماعية سجلها المعنيون بها في الماضي ثم تركوها لنا تاريخيا، هو المنهج التجربي الاجتماعي بمعناه الصحيح، ومن قبيل الوقائع والأحداث الاجتماعية التجريبية الماضية حالات الزواج والطلاق، والهجر والترمل والمواليد والوفيات والتعليم والأمية والعمالة والبطالة بخاصة إذا كانت مسجلة تسجيلا كميا، أي في شكل إحصاءات منشورة بوساطة هيئات رسمية متخصصة.
وكما يمكن استخدام المنهج التجربي في بحث الوقائع والأحداث الاجتماعية الماضية، كذلك يمكن الاعتماد عليه في بحث الوقائع والأحداث الاجتماعية الآتية، أي التي تحدث تحت سمع وبصر الباحثين كتجارب مفاجئة دون تدبير مسبق منهم، ثم تصبح في عداد الماضي، ويظل منهج البحث التجربي ما دامت الحقائق أو المعطيات أو الوقائع أو الحوادث تجارب اجتماعية ماضية، جرت في بقاع مختلفة، متزامنة أو متعاقبة، وتم تسجيلها وحفظها بمختلف أشكال التسجيل، أو يجري تسجيلها آنيا بوساطة وسائل جمع البيانات: الملاحظة، الاستبيان.
٢- المنهج التجربي التجريبي:
ميز أوغست كونت مؤسس الفلسفة الوصفية مما أسماه بالتجارب الاجتماعية غير