عرّفنا في موضع آخر النظرية بأنها "أفكار مرتبطة ومنظمة تساعدنا على تفسير مجموعة من الظاهرات المعروفة أو المرصودة وتصلح لأن تكون أساسا للتوقع أو التنبؤ".
هناك منهجان يمكن بهما التوصل إلى صياغة النظرية، أولهما أن نبدأ بالحقيقة، التي نرصد الواقع كما هو من مشاهداتنا وتجربتنا، وكل ما نتوصل إليه بحواسنا، ثم نحذف التفاصيل لنصل إلى الحقائق المصفاة. ونحصل على الإجابات المطلوبة، وهذا ما نطلق عليه "التجريد" وقد أطلق على هذا المنهج المسلك الاستقرائي.
والمنهج الثاني ويطلق عليه الاستنتاجي، ويبدأ بأن نفترض تنظيما مثاليا نقوم ببنائه بأنفسنا، وهو عبارة عن تصورنا لما ينبغي أن يكون عليه سلوك الظاهرة، وبعد هذا البناء الفكري والنظري للمسألة، نبدأ بالمقارنة مع واقع الحال، ويلزم في هذه الحالة إجراء التعديلات المناسبة، حتى يتم التلاؤم والتطابق بين تنظيمنا الفكري التصوري والحقيقة، ولتوضيح الأمر نقول: إن هناك فرقا بين الطريقة التي نفرض بها النظرية بمجرد صياغتها، وبين الطريقة التي نشرع فيها بعمل النظرية وإيجادها.
وبهذا التوضيح نشبه النظرية بالخريطة:
ترسم الخريطة طبقا لمبادئ كوتوغرافية معينة، منها المحافظة على استعمال الرموز نفسها على الخريطة بصرف النظر عن اختلاف الأمكنة، والخريطة في حد ذاتها نظام يقوم على التجربة "مجموعة خطوط وعلامات وألوان وإشارات ورموز" إذن فالخريطة على هذا النحو عبارة عن نظرية بدون نص.
من الطبيعي أن يكون تفسير الخريطة عن طريق عمل مفتاح لها يكون بمثابة الدليل أو التفسير لرموز الخريطة واصطلاحاتها، ويجب أن يبين هذا المفتاح ماهية الإشارة والألوان والرموز، وهكذا ... كما يبين دلالة هذه الخريطة والشيء الذي تمثله، وأما المقياس والموقع والمسقط والاتجاه فكلها أمور هامة تخبرنا عن ميدان الخريطة بنفس