منهما وبين الهجرة الحادثة بينهما، لا يكتفي بهذ القدر من الفهم، إذ المتوقع الإفادة من النتائج التي أمكن الوصول إليها، وذلك بمحاولة الاسنتاج من العلاقة الوظيفية التي كشف نتائج أخرى يمكن أن تنسق معها، وبعبارة أوضح، إن المبادئ المتعلقة بالهجرة الريفية، التي أمكن استقراؤها بالبحث العلمي، يمكن تعميمها على جوانب جزئية أخرى غير تلك التي بحثناها، لكي نفيد من ذلك في أوسع مجال ممكن، فالتنبؤ إذن معناه تيقن انطباق المبادئ أو القواعد العامة التي يوصل إليها البحث العلمي، على حالات أخرى في أوضاع مختلفة عن تلك التي سبق استقراؤها منها، والتنبؤ على هذه الصورة يساعد على تحقيق المزيد من الفهم والقدر الأكبر من التفسير وتحصيل الجديد من العلم، لأنه خطوة هامة في إكمال عملية البحث العلمي، وهي محاولة التحقيق من صحة المعلومات التي أمكن الحصول عليها، فإذا ثبت صحة التنبؤات، فعندئذ يجب إعادة النظر بالبيانات أو إعادة البحث في ضوء المزيد منها، أو باستخدام غيرها أو تغيير طرائق البحث.
ومن الأهداف الرئيسة للعلم، التحكم الذي يعني معالجة الأوضاع والظروف التي ظهر يقينا أنها تحدث الظاهرة، بشكل يتيح تحقيق هدف معين، والقدرة على التحكم تزداد كلما زاد الفهم وازدادت بالتالي القدرة على التنبؤ، يضاف إلى ذلك أن نجاح التحكم في الظاهرة وتكرره، هو في الوقت ذاته اختبار لمدى سلامة الفهم والتفسير، ومقدار صحة التنبؤات بخصوص الظاهرة المبحوثة، ففهم ظاهرة الهجرة الريفية وآثارها في المدينة الصناعية وتفسيرها وما يترتب على هذا الفهم والتفسير من قدرة على التنبؤ بما يحدث في أوضاع وظروف أخرى مماثلة، يساعد في تعديل هذه الأوضاع وتلك الظروف بالشكل الذي يمنع حدوث الظاهرة، أو يخفف من حدتها أو يغير مسارها١.
١ حسن ساعاتي. تصميم البحوث الاجتماعية. دار النهضة العربية، بيروت، ١٩٨٢، ص٣٢-٣٣.