للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تقوم على معايشة الواقع المتشخصة بمادتها، أي ذات الوجود الكياني العياني، والوقائع الاختبارية وقائع مشاهدة أي ملاحظة حسية، تكون المادة الأصلية للعلوم الخاضعة للتجارب أو التجاريب، التي يفرق العالم فيها بين الواقع وتأويله والمشاهد والمستنتج منه، فالأساس الواقعي محتوم، أما التأويلات فصياغات اجتهادية لتنظيم مكونات الموقف الواقعي، بحث يصبح مفهوما، وأولى خطوات الفهم تتم بالتعميم الاستقرائي من التجارب والتجاريب والخبرة بها، ويقتضي هذا التحليل والتجريد، والشائع تسمية هذه العمليات بـ "الامبيريقية" وهي كلمة معربة للاصطلاح الأجنبي الذي تترجمه الكثرة "تجريبية" بينما ظهر اجتهاد منفرد يترجمه: تجربة، ومصطلح الاختبارية يتضمن كلا من التجربة والتجريب، ولا يخصص أيا منهما، كما هي الحال في المصطلحين السالفين.

والسمة الثالثة الموضوعية: ترتبط ارتباطا وثيقا بالموضوعية والاختبارية، وهي سمة الباحث لأية ظاهرة، بوصفها شيئا خارجا عن شعور الفرد وسابقا لوجوده، أي أن لا يتأثر الباحث بأية أفكار سابقة، تجعله ينظر إلى الظاهرة من وجهة نظره هو، أو نظر شخص آخر، بحيث يكون البحث علميا بالمعنى الدقيق، أي مجموعة من المعارف العلمية التي تتصل بوقائع ذات وجود خارجي عن الفرد، غير متأثر بمن بحث أو بأية نظرة تقييمية معينة١، وهذا ما فعله ابن خلدون حيث استخدم المنهج التجربي، وركيزته الطريقة التاريخية، كما استعان بالملاحظة الحسية، أي المشاهدة لما عاصره في زمانه من أحداث، ذوات كانت أو أفعالا، وكان يتشكك في الأخبار والروايات يقول: "فلا تثقن بما يلقي إليك من ذلك وتأمل الأخبار وأعراضها على القوانين الصحيحة، يقع لك تمحيصها بأحسن وجه"٢ حيث تبدو الموضوعية عنده بأجلى مظاهرها، وقبيل نهاة القرن "التاسع عشر" نبه العالم الفرنسي "أميل دوركايم" إلى ضرورة الدراسة الموضوعية وبذلك أتى متأخرا عن ابن خلدون.


١ حسن الساعاتي. تصميم البحوث الاجتماعي، مرجع سبق ذكره، ص٣٣-٣٩.
٢ مقدمة ابن خلدون. مرجع سبق ذكره، ص١٣-١٤.

<<  <   >  >>