أخيرا نقف عند فقرات البحث، وهي لبناته، يجب أن تكون كل واحدة منها كاملة الفكرة منسجمة مع سياق الأفكار في الفقرات، بل بين العبارات في الفقرة الوحدة، حتى لا يفقد البحث الارتباط ولا تتحول ساحته إلى ممرات وفواصل لا تكاد تحصى بين الفصول وأجزائها وفقرها وعباراتها، ولا شك أن اطلاع الباحث على البحوث العلمية الأخرى، مناهجها وأساليبها وطرقها ووسائلها هي مرشد في كتابة فقرات البحث، حجمها وتسلسلها وانسجام الأفكار الواردة فيها، لذا يجب أن يستقر في أذهان الناشئين من الباحثين، أنهم يتعاملون في بحوثهم مع علاقات منطبقة وكما أنه لا يوجد في التجربة العلمية جزء يستقل بنفسه، كذلك فإن فقر البحث متصلة اتصالا منطقيا محكما، لا يدخل على أداء العبارات والفقر في الفصول أي نقص ولا أي زيادة، وللفقر طول متوسط، يبدأ الكاتب بها سطرا جديدا بعد أن يترك فراغا عند بدء ذلك السطر، ويضع نقطة عند انتهاء الفقرة، كما يترك فراغا بين كل فقرتين أكثر منه بين كل سطرين.
إن الارتباط بالترتيب الزمني أساس في تنسيق مادة البحث، ومن ثم كتابتها، وقد يتخذ المكان بدوره قاعدة للترتيب، وقد يجمع الباحث بينهما وذلك حسب طبيعة البحث، وقد يتضح للباحث أثناء عرضه لبحثه، أن هناك نواقص وثغرات في بحثه لا بد أن تستوفى، فيلجأ الباحث حينئذ إلى بحث تلك النواقص، وقد يضطر إلى تغيير تقسيمات بحثه من أقسام أو أبواب أو فصول، مما يضطره إلى إعادة صياغة متن البحث عدة مرات، حتى يأخذ التركيب الصحيح والتكامل الذي يرضى عنه، ويمثل فكرة المبدع وجهده المبذول وفق نسق منطقي، يطلب في الفصل وأجزائه وفقره وعباراته، ولا يؤتى بحث كما يؤتى من نسقه العام.
إن ما ذكرناه ليس بالأمر السهل، وقد يخيل للباحث أن ذلك موهبة لا يؤتاها إلا القليلون، والواقع أن تحديد الباحث نفسه إزاء ما يبحثه ويكتبه يستحيل إلى تجارب متعاقبة تسودها العلاقات المنطقية، وسوف نذكر فيما بعد التزامات واجب الأخذ بها لدى كتابة تقارير البحث تتناول الشكل والمنهاج والمضمون.