وتحديات للنظريات والأفكار التي كانت سائدة من قبل، ويرى هربرت بترفيلد "Herbert Butterfield" أن العلم طور جديد من المعرفة، أوجد اتجاها جديدا استوجب دراسات جديدة ومناهج مبتكرة لمعالجة ظواهر المجتمع ومشكلاته وأن أكثر ما يشدد بترفيلد في تصوره للعلم هو حدوث ثورة علمية أكيدة، كان لها أثرها في تغيرات جذرية في ميدان العلم نفسه، وفي تشكيل الحياة الاجتماعية ذاتها.
ولقد طرحت مذاهب شتى فيما يتعلق بأسباب حدوث الثورة العلمية أو أسس الثورات العلمية١، هل تتعلق بالتطورات التي حصلت على الصعيد السياسي وعلى ظهور دويلات، أم الصعيد الاقتصادي الذي أدى إلى انتشار المدن الكبرى والمناطق الحضرية "Urban" وبالتالي توسيع العلاقات التجارية الذي ظهر أثره واضحا على حركة الكشوف الجغرافية آنذاك، أو على الصعيد التقني وغير ذلك من مظاهر الحياة التي نقلت أوروبا من عصر إلى عصر، فهل تتعلق الثورة العلمية بهذه التطورات والاختراعات أساسا أم أنها تشكل ظاهرة منفصلة عن هذه الابتكارات؟ وما هي الخيرات التي تميز بها المفكرون والعلماء آنذاك وجعلتهم ينحون منحى جديدا، أدى إلى ظهور الثورة العلمية؟
لما كانت البدايات الأولى للثورة العلمية قد ظهرت في القرن "الخامس عشر"، فإن بعض المؤرخين راحوا يوازنون بين الثورة العلمية وبين ما يعرف "بعصر النهضة" "Renaissance"، ذهب البعض جاكوب بوركهارت "Jacob Burkhart" إلى أن "القرن الخامس عشر" كان بداية عهد لمخترعات جديدة، لكنه لم يشر إلى تطور أصاب العلم، وظهرت بعد ذلك كتابات تؤكد أن الثورة العلمية هي حصيلة اتجاهات جديدة في التفكير طرأت في عصر النهضة، لقد عمل المفكرون في ذلك العصر على نشر مخطوطات الأقدمين وتراثهم.
١ عبد الله العمر. ظاهرة العلم الحديث. عالم المعرفة ٦٩ الكويت ١٩٨٣. أيضا أحمد سليم سعيدان. مقدمة لتاريخ الفكر العلمي في الإسلام. عالم المعرفة ١٣١ الكويت ١٩٨٨ ص١١٧-١٤١.