للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يا صفية عمة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا أُغني عنك من الله شيئاً. ويا فاطمة بنت محمد؛ سليني من مالي ما شئت، لا أُغني عنك من الله شيئاً".

ــ

النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يستغفر له، أنزل الله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (١١٣) } . وقوله تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} .

ثم قال: "يا صفية عمّة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا أُغني عنك من الله شيئاً" مثل عمه العباس.

ثم خص أقرب من هؤلاء، وهي بنته، التي هي بَضْعَة منه، فقال: "يا فاطمة بنت محمد؛ سليني من مالي" يعني: اطلبي مني شيئاً أملكه وهو المال، أما النجاة من النار فهذه لا أملكها: "لا أُغني عنك من الله شيئاً" أما الآخرة، والنجاة من النار، والدخول في الجنة، فهذا إنما يُطلب من الله سبحانه وتعالى، ويحصل عليه بطاعة الله وطاعة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

انظروا كيف أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمّم أوّلاً جميع قريش، ثم خصّ عمه وعمّته ثم خصّ بنته، فهذا بيان واضح بأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يملك النجاة والإنقاذ من النار لمن هُم أقرب الناس إليه: قبيلته قريش، وعمه وعمته إخوان أبيه، بل ولده، عمّم وخصص صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا. فأين من يقول:

يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به ... سواك عند حلول الحادث العمم

فهذا فيه دليل على مسألة مهمة وهي: أنه لا يجوز الاعتماد على النسب والقرابة من الأنبياء والصالحين، لأنه لا يُغني عند الله شيئاً: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ (١٠١) } ، هذا عام في كل الناس وقرابات الأنبياء وغيرهم، وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من بَطَّأ به عمله لم يُسرع به نسبه"، قال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ} ، فالاعتبار بالتقوى لا بالنسب، النسب إنما يُستعمل في الدنيا: {لِتَعَارَفُوا} يعرف بعضكم بعضاً، كلٌّ يعرف قرابته وقبيلته، أما في الآخرة فلا {فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ} ، لا يبقى إلاّ الأعمال فقط، {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً} ، فالله سبحانه وتعالى لا ينفع عنده إلاّ العمل الصالح.

<<  <  ج: ص:  >  >>