للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن رزق الله لا يجره حرص حريص، ولا يرده كراهية كاره".

ــ

يحصل لك هذا دليل على أن الله لم يُرده لك، فعليك أن ترضى، وربما يكون امتناع هذا الشيء عنك في صالحك، وأنت لا تدري ماذا تكون الخيرة، فأنت تبذل السبب فإن حصل المطلوب فالحمد لله، وإن لم يحصل المطلوب فإنك ترضى عن الله سبحانه وتعالى وتحمده وتحاسب نفسك عن التقصير، وتعلم أنك ما حُرمت هذا الشيء إلاَّ لأحد أمرين: إما لأنك مقصِّرٌ في حق الله سبحانه وتعالى، وأن الله حرَمك هذا الشيء بسبب ذنوبك ومعاصيك، أو أن الله سبحانه وتعالى منعه لمصلحتك، وأنه لو جاءك سبّب لك شرًّا، هذا موقف المؤمن عندما لا يحصل له مطلوبه.

ثمّ قال: "إن رزق الله لا يجُرُّه حرص حريص، ولا يَرُدُّه كراهية كاره"، مهما حرِص الإنسان وحرصت الواسطة التي عمدها، فالحرص لا يجلب لك المطلوب إذا لم يقدِّره الله سبحانه وتعالى.

"ولا يردُّه كراهية كاره" لو أراد الله لك شيئاً فلو اجتمع أهل الأرض أن يمنعوه لم يستطيعوا كما قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "واعلم أن النّاس لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلاَّ بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضرُّوك لم يضروك إلاَّ بشيء قد كتبه الله عليك".

إذا علِّق قلبك بالله سبحانه وتعالى وأحسِن المعاملة مع الله: {وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} .

وهذا هو حقيقة التّوحيد؛ أن يكون العبد معتمداً على الله ومتوكِّلاً على الله، ويعتقد أن النّاس مجرّد أسباب، والأسباب إن شاء الله نفعتْ وإنْ شاء لم تنفع، فلا يجعل الحمد والذم للناس، وإنما يجعل الحمد لله سبحانه وتعالى، وإذا لم يحصل له مطلوبه فليصبر وليعلم أن ما قُدِّر له لا بد أن يكون فليحمد الله أيضاً.

وليس معنى ذلك أن الإنسان لا يحرص على طلب الخير، قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "احرص على ما ينفعك، واستعن بالله فجمع بين الأمرين: الحرص والاستعانة. فالحرص ليس مذموماً، وإنما المذموم: الاعتماد على الحرص واعتقاد أنه يحصل به المطلوب.

وحديث أبي سعيد رواه أبو نعيم في "الحلية"، ورواه البيهقي، وهو حديث ضعيف، ولكنّ الشيخ رحمه الله من قاعدته أن لا يذكر الحديث الضعيف إلاَّ إذا كان له ما يؤيِّده، وهذا الحديث تؤيِّده الآية التي قبله وهي قوله تعالى: {فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللهِ جَعَلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>