للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "إن أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب. فقال: رب، وماذا أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة".

ــ

"إنّك لن تجد طعم الإيمان حتى تعلم أنّ ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليُصيبك" طعم الإيمان: حلاوته ولذته، وذلك لأنّ الإنسان إذا آمن أنّ ما يجري عليه فهو بقضاء الله وقدره؛ فإنّه يستريح، لا يجزع عند المصيبة، ولا يفرح فَرَح بَطَرٍ عند النعمة، لأنّه يؤمن أنّ هذا بقضاء الله وقدره، فيرتاح ضميرُه وتطمئنّ نفسُه ولا يجزع ولا يسخط، قال تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١١) } ، قال علقَمة: "هو الرجل تُصيبه المصيبة فيعلم أنّها من عند الله فيرضى ويسلِّم".

فمن آمن بالقضاء والقدر فإنّه يجد طعم الإيمان وراحة الإيمان عند الشدائد والمصائب والمنغِّصات، فلا يكون فيه جزع ولا تسخُّط ولا تضايُق، وإنّما يؤمن أنّ هذا قضاء وقدر وأنّه لابدّ منه.

أمّا الذي لا يؤمن بالقضاء والقدر فإنّه يُصبح في قلق وفي همْ. فإذا أصابه شيء فإنّه يجزع ويسخط ويلوم نفسَه: لماذا لم أعمل كذا؟، ليتني عملت كذا، ليتني فعلتُ كذا، ثم يُصبح في عذاب أشدّ من ألم المصيبة.

ثم قال: "سمعتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "إنّ أوَّلَ ما خلَق الله القلم، فقال له: اكتب، فقال: ربِّ، وماذا أكتبُ؟ " القلم هو: خلق من خلق الله سبحانه وتعالى، لا يعلم مقداره وصفته وكيفيّته إلاّ الله سبحانه وتعالى، لأنّه من عالم الغيب.

والمكتوب فيه هو: اللوح المحفوظ، ففيه: قلم، وفيه كتابة، وفيه مكتوب فيه وهو اللّوح المحفوظ.

"فقال له: اكتب مقادير كلّ شيء حتى تقوم السّاعة" فهذا فيه: أنّ كلّ ما يجري في هذا الكون فهو مكتوبٌ بالقلم- بقلم المقادير- في اللّوح المحفوظ، من أوّل الخلق إلى آخر الخلق، حتّى تقوم السّاعة، لا يخرُج عن هذا شيءٌ في هذا الكون أبداً، لا في الماضي ولا في الحاضر ولا في المستقبل، لا من الخير ولا من الشّر، لا من المحبوب ولا من المكروه، كلّه مكتوبٌ ولابدّ أن يقع.

<<  <  ج: ص:  >  >>