ولما قتل الجعد بن درهم جاء من بعده الجهم بن صفوان، فتبنى مقالته الخبيثة، فقتله الأمير سلم بن أحوز، وهكذا كان ولاة أمور المسلمين، يقتلون الزنادقة حماية للعقيدة، فقد قال صلى الله عليه وسلم:«من بدل دينه فاقتلوه» ، وقال عليه الصلاة والسلام:«لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة» . فكانوا يقتلون الزنادقة ويريحون المسلمين من شرهم حماية للعقيدة التي هي الضرورية الأولى من الضروريات الخمس التي تجب المحافظة عليه.
فهذا أصل منشأ هذه المقالة الخبيثة، ثم ورثها عنه المعتزلة، والجعفرية من الشيعة يقولون بهذه المقالة؛ لأنهم تتلمذوا على المعتزلة فأخذوها عنهم، والشيعة الزيدية والإباضية يرون هذا الرأي ويعتقدون أن القرآن مخلوق، وأنه ليس كلام الله، كل هذا ورثوه عن الجهمية، وهذا مدون في عقائدهم التي يدروسونها الآن.
جاءت الأشاعرة فأتوا بقول غريب في هذه المسألة، لا هو مع الجهمية، ولا هو مع أهل السنة، فقالوا: الكلام هو المعنى القائم بالنفس الإلهية، وأما هذا القرآن والكلام الذي نزل على الرسل فإنما هو عبارة أو حكاية عن كلام الله، فهو – أي القرآن الذي معنا – مخلوق؛ لأنه عبر به محمد أو جبريل عن كلام الله، والله لا يتكلم،