للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بغير حساب قال: ((هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون)) (١) فهم لا يطلبون من غيرهم أن يرقيهم، والرقية دعاء، فكيف بما هو أبلغ من ذلك.

ومعلوم أنه لو اتخذ قبره عيداً ومسجداً ووثناً صار الناس يدعونه ويتضرعون إليه ويسألونه ويتوكلون عليه ويستغيثون ويستجيرون به وربما سجدوا له وطافوا به وصاروا يحجون إليه، وهذه كلها من حقوق الله وحده الذي لا يشركه فيما مخلوق (٢) .

وكان من حكمة الله دفنه في حجرته ومنع الناس من مشاهدة قبره والعكوف عليه والزيارة له، ونحو ذلك، لتحقيق توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له وإخلاص الدين لله، وأما قبور أهل البقيع ونحوهم من المؤمنين فلا يحصل ذلك عندها، وإذا قدر أن ذلك فعل عندها منع من يفعل ذلك وهدم ما يتخذ عليها من المساجد، وإن لم تزل الفتنة إلا بتعفية قبره وتعميته، فعل ذلك كما فعله الصحابة بأمر عمر بن الخطاب في قبر دانيال (٣) .


(١) رواه البخاري ١٠/١٥٥ ومسلم ١/٩٨٨-٢٠٠.
(٢) قلت: لقد حدث بعض هذا الآن فأصبح بعض الناس يدجعونه وقد سمعت هذا عندما كنت في فترة الحج ويتمسحون بالشبك الحديدي ويبكون ومنهم من يقول يا رسول الله بغارة وبعضهم يطوف طوافاً لأنه أصبح مكننا.
ومثل هذا ما يحدث عند بعض القبور مثل قبر ابن علوان في منطقة بقرس بتعز وكذا عند قبر ابن العجيل وقبر الهتار وغيرها من القبور في لواء تهامة فإلى الله المشتكى.
(٣) القصة أخرجها ابن إسحاق في المغازي ص٦ فقال حدثنا أحمد قال: نا يونس بن بكير عن أبي خلدة بن دينار قال: نا أبو العالية قال لما فتخنا تستر وجدنا في بيت مال الهرمزان سريراً عليه رجل ميت عند رأسه مصحف له فأخذنا المصحف فحملنا إلى عمر بن الخطاب فدعا له كعباً فنسخه بالعربية فأنا أول رل من العرب قرأته مثلما أقرأ القرآن هذا فقلت لأبي العالية: ما كان فيه؟ فقال سيرتكم وأموركن ولحون كلامكم وما هو كائن بعد قلت: فما صنعتم بالرجل؟. قال حفرنا بالنهار ثلاثة عشر قبراً متفرقة فلما كان الليل دفناه وسوينا القبور كلها لتعمية على الناس لا ينبشونه، قلت وما يرجون منه؟ = =قال: كانت السماء إذا جست عليهم برزوا بسريره فيمطرون قلت من كنتم تظنون الرجل؟ قال رجل يقال له دنيال فقلت، منذ كم وجدتموه مات؟ قال: منذ ثلاثمائة سنة (١) قلت: ما كان تغير بشيء؟ قال: لا إلا شعيرات من قفاه، إن لحوم الأنبياء لاتبليها الأرض ولا تأكلها السباع.
قلت: سند القصة حسن وأحمد شيخ ابن إسحاق هو ابن عبد الجبار بن محمد العطاردي أبو عمرو الكوفي ضعيف وسماعه للسيرة صحيح كما في التقريب.
(١) قال المحقق على السير والمغازي، كذا والأقرب إلى الصحة إبدال المئة بألف، وانظر فضائل الشام للرببيعي بتخريج الشيخ ناصر ص٤٧.

<<  <   >  >>