للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وذلك مقدم عندهم على حقوق الأنبياء والصالحين، فإذا أيقنوا أن في زيارة قبر نبي، أو صالح تحصيل أغراضهم بسؤاله ودعائه وشفاعته أعرضوا عن حقه واشتغلوا بأغراضهم، كما هو الموجود في عامة الذين يحجون إلى القبور المعظمة ويقصدونها لطلب الحوائج.

فلو أذن الرسول صلى الله عليه وسلم لهم في زيارة قبله ومكنهم من ذلك لأعرضوا عن حق الله الذي يستحقه من عبادته وحقه، وعن حق الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يستحقه من الصلاة والسلام عليه والدعاء له، بل ومن جعله واسطة بينهم وبين الله في تبليغ أمره ونهيه وخبره، فكانون يهضمون حق الله وحق رسوله كما فعل النصارى، فإنهم يغلوهم في المسيح تركوا حق الله من عبادته وحده، وتركوا حق المسيح فهم لا يدعون له، بل هم عندهم رب بدعي ولا يقومون بحق رسالته، فينظرون ما أمر به وما أخبر به، بل اشتغلوا بالشرك به وبغيره وبطلب حوائجهم ممن يستشفعون به من الملائكة والأنبياء وصالحيهم عما يجب من حقوقهم.

وأيضاً فلو جعلت الصلاة والسلام عليه والدعاء له عند قبره أفضل منها في غير تلك البقعة، كما قد يكون الدعاء للميت (١) عند قبره أفضل لكانوا يخصون تلك البقة بزيادة الدعاء له، وإذا غابوا عنها تنقص صلاتهم وسلامهم ودعاؤهم له فإن الإنسان لا يجتهد في الدعاء في المكان المفضول، كما يجتهد في المكان الفاضل، وهم قد أمروا أن يقوموا بحق الرسول صلى الله عليه وسلم ((لا تتخذوا بيتي عيداً وصلوا علي حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني)) (٢) .

وقد شرع لهم أن يصلوا عليه ويسألوا له الوسيلة إذا سمعوا المؤذن حيث كانوا، وأن يسلموا عليه في كل صلاة ويصلوا عليه في الصلاة ويسلموا عليه إذا دخلوا المسجد، وإذا خرجوا منه، فهذا الذي أمروا به عام في كل مكان وهو يوجب من القيام بحقه ورفع درجته وإعلاء منزلته ما لا يحصل لو جعل ذلك عند قبره أفضل، ولا إذا سوى بين قبره وقبر


(١) صوابه للميت كما في بعض النسخ.
(٢) تقدم كلامه عليه.

<<  <   >  >>