للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله: ((إلا ما شاء الله)) فيه قولان، قيل: هو استثناء متصل، وأنه يملك من ذلك ما ملكه الله وقيل: هو منقطع والمخلوق لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً بحال، فقوله ((إلا ما شاء الله)) استثناء منطقة، أي لكن يكون من ذلك ما شاء الله كقوله الخليل: {وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئًا} (الأنعام ٠٨٠) أي لا أخاف أن يفعلوا شيئاً لكن إن شاء الله ربي شيئاً كان، وإلا لم يكن، وإلا فهم لا يفعلون شيئاً.

وكذلك قوله: {وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (الزخرف ٠٨٦) فيه قولان أصحهما: أنه استثناء منقطع أي لكن من شهد بالحق تنفعه الشهادة وتنفع شفاعته كقوله: {وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} (سبأ ٠٢٣) وقال: {قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ} (الزمر ٠٤٤) وبسط هذا له موضع آخر.

قال الشيخ (١) : وأما ما ذكره من تضافر النقول عن السلف بالحض على ذلك وإطباق الناس عليه قولاً وعملاً، فيقال: الذي اتفق عليه السلف والخلف وجاءت به الأحاديث الصحيحة هو السفر إلى مسجده، والصلاة والسلام عليه في مسجده، وطلب الوسيلة له، وغير ذلك مما أمر الله به ورسوله، فهذا السفر مشروع باتفاق المسلمين سلفهم وخلفهم وهذا هو مراد العلماء الذين قالوا إنه يستحب السفر إلى زيارة قبر نبينا صلى الله عليه وسلم، لإن مرادهم بالسفر لزيارته هو السفر إلى مسجده، وذكروا مناسك الحج أنه يستحب زيارة قبره، وهذا هو مراد من ذكر الاجماع على ذلك كما ذكر القاضي عياض.

قال: وزيارة قبره سنة من المسلمين مجتمع عليه وفضيلة مرغب فيها، فمرادهم الزيارة التي بينوها وشرحوها كما ذكر ذلك القاضي عياض في هذا الفصل، فصل زيارة قبره.

قال: وقال إسحاق بن إبراهيم الفقيه، وما لم يزل من شأن من حج المرور بالمدينة والقصد إلى الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم والتربك برؤية روضته ومنبره وقبره ومجلسه، وملامس يديه ومواطئ قدمه والعمود الذي يستند إليه، ونزل جبريل بالوحي عليه فيه وبمن عمره وقصده من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين والاعتبار بلك كله.

قلت: وذلك أن لفظ زيارة قبره ليس المراد بها نظير المراد بزيارة قبر غيره فإن قبر غيره يوصل إليه ويجلس عنده ويتمكن الزائر مما يفعله الزائرون للقبور عندها من سنة


(١) انظر الرد على الأختاني ص١٣٥-١٤١.

<<  <   >  >>