إلى المدينة لمجرد زيارة القبر أفضل من الكعبة قول محدث في الإسلام،مخالف لإجماع جميع العلماء الأعلام من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من علماء المسلمين المتقدمين منهم والمتأخرين، وذلك كاف في رده وظهور بطلانه والله أعلم.
ثم قال المعترض: وأكثر عبارات الفقهاء أصحاب المذاهب ممن حكينا كلامهم في باب الزيارة يقتضي استحباب السفر، هكذا قال، وذلك خطأ منه، فإن القول باستحباب الزيارة لا يقتضي استحباب السفر لها كما سيأتي بيان ذلك (مستوفي) إن شاء الله تعالى، والفقهاء الذي حكينا كلامهم، في الزيارة متفقون على استحبابها، مع أنه مختلفون في السفر لمجردها، فلو كان استحباب الزيارة مقتضياً لاستحباب السفر لم يقع بينهم فراغ في السفر لها.
قال: وحكاية الأعرابي المشهورة التي ذكرها المصنفون في مناسكهم وفي بعض طرقها أن الأعرابي ركب راحلته وانصرف وذلك يدل أنه كان مسافراً، والحكاية المذكورة ذكرها جماعة من الأئمة عن العتبي، وأسمه محمد بن عبد الله بن عمرو بن معاوية بن عمرو بن عتبة بن أبي سفيان: صخر بن حرب كان من أفصح الناس صاحب أخبار ورواية للأدب، وحدث عن أبيه وسفيان بن عيينة، توفي سنة ثمان وعشرين ومائتين، يكنى أبا عبد الرحمن.
وذكرها ابن عساكر في تاريخه وابن الجوزي في مثير العزم الساكن وغيرهما بأسانيدهم إلى محمد بن حرب الهلالي قال: دخلت المدينة فأتيت قبر النبي صلى الله عليه وسلم فزرته فجلست حذاءه فجاء إعرابي فزاره ثم قال: يا خير الرسل إن الله أنزل عليك كتاباً صادقاً قال فيه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا}(النساء ٠٦٤) وقد جئتك مستغفراً من ذنبي مستشفعاً بك إلى ربي ثم بكى وأنشأ يقول:
يا خير من دفنت بالقاع أعظمه ... فطاب من طيبهن القاع والأكم
ثم استغفر وانصرف، فرقدت فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في نومي وهو يقول: إلحق الرجل فبشره أن الله قد غفر له بشفاعتي، فاستيقظت فخرجت أطلبه فلم اجده، قال وقد نظم أبو الطيب أحمد بن عبد العزيز بن محمد المقدسي، وسأله بعضهم الزيارة على هذين البيتين وتضمينهما فقال: ورواه ابن عساكر عنه: