ونحوهم ممن اشتهر الكلام فيه، وهكذا روايته عن موسى بن هلال إن صحت روايته عنه.
ولو فرض أن موسى بن هلال العبدي، وعبد الله بن عمر العمري من الرواة الثقات الإثبات المشهورين، والعدول الحفاظ المتقنين الضابطين، وقدر أن هذا الحديث المروي من طريقهما من الأحاديث الصحيحة المشهورة المتلقاة بالقبول، لم يكن فيه دليل إلا على الزيارة الشرعية؛ وتلك لا ينكرها شيخ الإسلام ولا يكرهها بل يندب إليها ويحض عليها ويستحبها وقد قال في الجواب الباهر لمن سأل من ولاة الأمر عما أفتى به في زيادة المقابر.
قد ذكرت فيما كتبته من المناسبات أن السفر إلى مسجده وزيارة قبره كما يذكره أئمة المسلمين في مناسك الحج عمل صالح مستحب، وقد ذكرت في عدة مناسك الحج السنة في ذلك وكيف يسلم عليه وهل يستقبل الحجرة أو القبلة على قولين فالأكثرون يقولون يستقبل الحجرة كمالك والشافعي وأحمد وأبو حنيفة يقول: يستقبل القبلة ويجعل الحجرة عن يساره في قول وخلفة في قول لأن الحجرة لما كانت خارجة المسجد، كان الصحابة يسلمون عليه لم يكن يمكن أحد أن يستقبل وجهه ويستدبر القبلة كما صار ذلك ممكناً بعد دخولها في المسجد - إلى أن قال: والصلاة تقصر في هذا السفر المستحب بإجماع المسلمين لم يقل أحد من أئمة المسلمين، إن هذا السفر لا تقصر فيه الصلاة ولا نهي أحد عن السفر إلى مسجده وإن كان المسافر إلى مسجده يزور قبره صلى الله عليه وسلم، بل هذا من أفضل الأعمال الصالحة.
ولا في شيء من كلامي وكلام غيري نهي عن ذلك، ولا نهي عن المشروع في زيارة قبور الأنبياء والصالحين، ولا عن المشروع في زيارة سائر القبور، بل قد ذكرت في غير موضع استحباب زيارة القبور كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يزور أهل البقيع وشهداء أحد ويعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقول قائلهم: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون (١) . ويرحم الله المستقدمين منا ومنكم
(١) الحديث أخرجه مسلم ٧/٤٠ والنسائي ٤/٩٣ وأحمد ٦/١٨٠ من حديث عائشة وورد في حديث أبي هريرة أخرجه مسلم ٣/١٣٧ وأبو داود ٣/٥٥٩ والنسائي ١/٩٤ وورد من حديث بريدة أخرجه مسلم ٧/٤٤.