للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

غيره وكلامه المنصوص عنه وعن أمثاله يتنافى هذا، وإنما يعرف مثل هذا في حكاية ذكرها طائفة من متأخري الفقهاء عن أعرابي أنه أتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وتلا هذه الآية وأنشد بيتين:

يا خير من دفنت بالقاع أعظمه ... فطاب من طبيهن القاع والأكم

نفس الغداء لقبر أنت ساكنه ... فيه العفاف وفيه الجود والكرم

ولهذا استحب طائفة من متأخري الفقهاء من أصحاب الشافعي وأحمد مثل ذلك واحتجوا بهذه الحكاية التي لا يثبت بها حكم شرعي لا سيما في مثل هذا الأمر الذي لو كان مشروعاً مندوباً، لكان الصحابة والتابعون أعلم به وأعمل به من غيرهم، بل قضاء الله حاجة مثل هذا الأعرابي وأمثاله ولها أسباب قد بسطت في غير هذا الموضع، وليس كل من قضيت حاجته بسبب يقتضي أن يكون السبب مشروعاً مأموراً به، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل في حياته المسألة فيعطيها لا يرد سائلاً، وتكون المسألة محرمة في حق السائل حتى قال: ((إني لأعطي أحدهم العطية فيخرج بها يتأبطها ناراً)) قالوا: يا رسول الله فلم تعطيهم؟ قال: ((يأبون إلا أن يسألوني ويأبى الله لي البخل)) (١) .

وقد يفعل الرجل العمل الذي يعتقده صالحاً ولا يكون عالماً أنه منهي عنه فيثاب على حسن قصده، ويعفى عنه لعدم علمه،وهذا باب واسع وعامة العبادات المبتدعة المنهي عنها قد يفعلها بعض الناس يحصل له بها نوع من الفائدة، وذلك لا يدل على أنها مشروعة، ولو لم تكن مفسدتها أغلب من مصلحتها لما نهى عنها، ثم الفاعل قد يكون متأولاً،أو مختطئاً، وقد بسط هذا في غير هذا الموضع.

والمقصود هنا أنه قد علم أن مالكاً من أعلم الناس بمثل هذه الأمور، فإنه مقيم بالمدينة يرى ما يفعله التابعون وتابعوهم ويسمع ما ينقلون عن الصحابة وأكابر التابعين، على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه فاستسقى بالعباس، ففي صحيح البخاري (٢) عن أنس أن عمر استسقى بالعباس، وقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبيك فتسقينا، وإنا


(١) رواه أحمد في مسنده ٤/٣ من حديث أبي سعيد بسند صحيح.
(٢) أخرجه البخاري ٢/٤٩٤ رقم ١٠١٠ وأنظره أيضاً برقم ٣٧١٠.

<<  <   >  >>