فدعوى المدعي أن الأنبياء والرسل يملكون لمن زارهم ودعا بهم أو دعاهم وأشرك بهم من الضر والنفع ما لم يملكوه في حياتهم من أبين الباطل المتضمن للكذب على الشرع والقدر.
ويقال ثالثاً: دعوى ذلك مناقضة صريحة لما قصده الرسول، فإن ذها يوجب من تعظيم قبورهم وقصد انتيابها في الحاجات والرغبات، وجعلها من أجل الأعياد واتخاذ المساجد والسرج عليها ما يكون أدعى إلى هذا المطلوب، وهذا ضد مقصود الرسول من كل وجه ودعاء إلى ما حذر منه،وترغيب تام فيما نهى عنه فليتدبر اللبيب هذا الموضع، فإنه سر الفرق بين التوحيد ووسائله، والشرك ووسائله، ومن ظن أن ذلك تعظيم لهم فهو غالط جاهل، فإن تعظيمهم إنما هو بطاعتهم واتباع أمرهم ومحبتهم وإحلالهم، فمن عظمهم بما هو عاص لهم به لم يكن ذلك تعظيماً، بل هو ضد التعظيم فإنه متضمن مخالفتهم ومعصيتهم، فلو سجد العبد لهم أو دعاهم من دون الله، أو سبحهم، أوطاف بقبورهم واتخذ عليها المساجد والسرج، أو أثبت لهم خصائص الربوبية ونزهمم عن لوازم العبودية، وادعى أن ذلك تعظيم لهم، كان من أجهل الناس وأضلهم، وهو من جنس تعظيم النصارى للمسيح حتى أخرجوه عن العبودية.
وكل من عظم مخلوقاً بما يكرهه ذلك المعظم ويبغضه ويمقت فاعله، فلم يعظمه في الحقيقة، بل عامله بضد تعظيمه، فتعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم أن تطاع أوامره وتصدق أخباره، ولا يقدم على ما جاء به غيره.
فالتعظيم نوعان: أحدهما: ما يحبه المعظم ويرضاه ويأمره ويثني على فاعله، فهذا هو التعظيم في الحقيقة.
والثاني: ما يكره ويبغضه ويذم فاعله، فهذا ليس بتعظيم، بل هو غلو مناف للتعظيم، ولهذا لم يكن الرافضة معظمين لعلي بدعواهم فيه الإلهية والنبوة، أو العصمة ونحو ذلك، ولم يكن النصارى معظمين للمسيح بدعواهم فيه ما ادعوا، والنبي صلى الله عليه وسلم قد أنكر على من عظمه بما لم يشرعه، فأنكر على معاذ سجوده له (١) ، وهو محض التعظيم.
وفي المسند بإسناد صحيح على شرط مسلم عن أنس بن مالك أن رجلاً قال: يا محمد، يا سيدنا، وابن سيدنا وخيرنا، وابن خيرنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((عليكم بقولكم ولا يستهوينكم الشيطان أنا محمد بن عبد الله، عبد الله ورسوله، مأ (٤) أن ترفعوني