للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

انتفاع الزائر بالمزور، وقالوا من تمام الزيارة أن يعلق همته وروحه بالميت وقبره، فإذا فاض على روح الميت من العلويات الأنوار فاض منها على روح الزائر بواسطة ذلك التعليق والتوجه إلى الميت، كما ينعكس النور على الجسم المقابل للجسم الشفاف بواسطة مقابلته، وهذا المعنى يعنيه ذكره عباد الأصنام في زيارة القبور وتلقاه عنهم من تلقه ممن لم يحط علماً بالشرك وأسبابه ووسائله.

ومن ههنا يظهر سر مقصود النبي صلى الله عليه وسلم بنهيه عن تعظيم القبور واتخاذ المساجد عليها والسرج، ولعنه فاعل ذلك وأخباره بشدة غضب الله عليه ونهيه عن الصلاة إليها ونهيه عن اتخاذ قبره عيداً، وسؤاله ربه تعالى أن لا يجعل قبره وثناً يعبد،فهذا نهيه عن تعظيم القبور، وذلك تعليمه وإرشاده للزائر أن يقصد نفع الميت والدعاء له والإحسان إليه، ولا الدعاء به، ولا الدعاء عنده.

وأما استثناؤه قبور المرسلين من ذلك فيقال أولاً: قد ذكرنا الدليل على مقصود الشارع من زيارة القبور، وأنها تتضمن نفع المزور وانتفاع الزائر بعمله لا غير، فما الدليل على تخصيص زيارة قبور الأنبياء والمرسلين بأنها شرعت لانتفاع الزائر بهم وتوسله بزيارتهم إلى جلب المنافع له ودفع المضار عنه وجعلهم وسائط بين الزائر وبين الله في النفع والضر، وهل دل على ذلك دليل شرعي، وأو قاله أحد من سلف الأمة وخيار القرون.

ويقال ثانياً: بل الأدلة الشرعية مصرحة بخلاف ذلك، وإن نفع الأنبياء والرسل لأممهم هو بالهداية والإرشاد والتعليم، وما يعين على ذلك، وأما النفع والضر بغير ذلك فقد قال تعالى: {قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا} (الجن ٠٢١) فإذا كان هذا قوله لهم في حياته فكيف بعد وفاته؟

وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل عليه: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} (الشعراء ٢١٤) ((يا معشر قريش اشتروا أنفسكم من الله لا أغني عنكم من الله شيئاً يا بني عبد المطلب لا أغني عنكم من الله شيئاً يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئاً (١) ، يا فاطمة بنت رسول الله ساليني ما شئت لا أغني عنك من الله شيئاً)) (٢) .


(١) هنا سقط وهو قبل قوله يا فاطمة. ونصه ((يا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئاً)) .
(٢) الحديث أخرجه مسلم في كتاب الإيمان ٣٥٠ والترمذي في الزهد ٧ من تفسيره سوره ٢٦ وابن ماجه في الجهاد ١٦.

<<  <   >  >>