للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بين الزيارة المشروعة وغيرها، فإن الزيارة التي شرعها الله ورسوله مقصودها نفع الميت والإحسان إليه، وأن يفعل عند قبره من جنس ما يفعل على نعشه من الدعاء والاستغفار له والترحم عليه، فإن عمله قد انقطع وصار محتاجاً إلى ما يصل إليه من نفع الأحياء له، ولهذا يقال عند زيارته: ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته أن يقولوه إذا زاروا القبور ولو كان أهلها سادات أولياء الله وخيار عباده: ((السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المتقدمين منا ومنكم والمتسأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم وأغفر لنا ولهم)) (١) .

فهذا من جنس الدعاء له عند الصلاة عليه، وهذا غير الدعاء به والدعاء عنده، فالمراتب ثلاثة، فالذي شرعه الله عزوجل ورسوله للأمة الدعاء للميت عند الصلاة عليه، وعند زيارة قبره، دون الدعاء به والدعاء عنده،وهذه سنته بحمد الله إليها التحاكم والتخاصم، ولا التفات إلى تحكيم غيرها البتة كائناً ما كان، وأما انتفاع الزائر فليس بالميت، بل بعمله هو وزيارته ودعائه له والترحم عليه، والإحسان إليه كما ينتفع المحسن بإحسانه (٢) ، يوضحه أن الميت قد انقطع عمله الذي ينتفع به نفسه، ولم يبق عليه منه إلا ما تسبب في حياته في شيء يبقى نفعه كالصدقة وتعليم العلم النافع، ودعاء الولد الصالح، فكيف يبقى نفعه للحي وهو عمل يعمله له، وهل هذا إلا باطل شرعاً وقدراً، ومن جعل زيارة الميت من جنس زيارة الفقير للغني لينال من بره وإحسانه فقد أتى بما هو أعظم الباطل المتضمن لقب الحقيقة والشريعة، ولو كان ذلك مقصود الزيارة لشرع من دعاء الميت والتضرع إليه وسؤال ما يناسب هذا المطلوب،ولكن هذا يناقض ما دعا)) إليه الرسول صلى الله عليه وسلم من التوحيد وتجريده مناقضة ظاهرة، ولا ينبغي الاقتصار على ذلك بأنه بدعة، بل فتح لباب الشرك وتوسل إليه بأقرب وسيلة وهل أصل عبادة الأصنام إلا ذلك كما قال ابن عباس (٣) في قوله تعالى: {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} (نوح ٠٢٣) قال: هؤلاء كانواً قوماً صالحين في قومهم، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم، ثم صوروا تماثيلهم، فلما طال عليهم الأمد عبدوهم فهؤلاء لما قصدوا الانتفاع بالموتى قادهم ذلك إلى عبادة الأصنام.

يوضحه أن الذين تكلموا في زيارة الموتى من أهل الشرك صرحوا بأن القصد هو


(١) تقدم الكلام على بعض أحاديث الزيارة صفحة ٣١ حاشية (١)
(٢) قلت:وهذا هو الصحيح.
(٣) انظر فتح الباري ٨/٦٦٧ والأثر متكلم فيه انظر مقدمة الفتح.

<<  <   >  >>